الرئيسة/  مقالات وتحليلات

مائدة عرمرمية في رمضان.. وإلا!

نشر بتاريخ: 2023-04-03 الساعة: 15:26

 

موفق مطر 


لن يفلح المستغلون من فئة التجار في جعل رمضان شهرا للتكسب اللامعقول واللامقبول، اذا اتخذه المواطن المستهلك على حقيقته شهر صيام وتدبر وتوفير، لا شهرا للإسراف والتبذير، ولن ينال المتحكم بحركة المواد الغذائية والبضائع في الاسواق، إذا احكم الصائم المؤمن ارادته على رغبته، أو يحل عينيه محل معدته، فمعظمنا وللأسف يلبون جوع عيونهم، فيتلقفون ما تبصره حتى لو فاق حاجتهم. 
قد يقول قائل إن الميسورين والأغنياء ينظرون بعين الرحمة للفقراء، لكن من قال إن كل المساكين والفقراء يرضون الصدقات، أو يقبلون عطاءً من احد، فمنهم من يسعى في الأسواق باحثا عن ارخص المعروض الصالح للأكل، وكم مشهد لمسنة أو لشخص يبدو رب عائلة يلويه الأسى عندما يسأل عن سعر مادة غذائية ولا يستطيع دفع مقابلها، فيلوذ مضطرا الى صندوق تحت بسطة بائع استحى من عرضها نظرا لضعف جودتها، فينال منها الصالح بأقل ثمن، لعله يسكن جوع عائلته بعد صيام بإخلاص، وللإنصاف فإنى لا انسى ذلك الحاج في حسبة رام الله الذي اعتدت شراء الخضار من عنده، لا انسى ابدا مشهد سيدة تأخذ حظها مما ترغب من وجه البسطة في كل ايام السنة ومنها ايام شهر الخير والبركة رمضان. 
ليس رمضان وحسب فرصة للتاجر الغني الميسور ليعيد حساباته، بل كل يوم من ايام السنة فرصة ليفكر بأنسب السبل للبرهان على انسانيته وقناعته وايمانه بمبدأ المسؤولية الانسانية والأخلاقية عن أطفال الفقراء والمساكين، والمحتاجين فيسلكها، فان كان الكسب المشروع والربح الحلال حقّا.. فان النظر لهذه الشريحة من المجتمع بما تيسر يقوي نسيج المجتمع، ويحصنه من فايروس الكراهية والبغضاء، ويفوت الفرص على اللاعبين على وتر الصراعات بين الأغنياء والفقراء... وبالمقابل فإن ايام الصيام للمواطن المستهلك فرصة ثمينة لتأديب نفسه الجامحة، وترويض غريزته، وتحريرها من ميول غير سليمة، وعادات تستعبده وتذله، وينتصر لروحه وجسده ونفسه، ويعيش أجواء رمضان الروحانية والاجتماعية، وليس الاستسلام لعادات لو دققنا البحث فيها، ولمسنا نتائجها سنكتشف شراستها، وقدرتها على سلخنا من قيم الصيام وأخلاقياته وسلوكياته. 
فرمضان شهر سلام، حيث يجاهد المرء نفسه فيمضي بها على الصراط المستقيم، محبا، مبتسما، هادئا، عاقلا، ودودا للناس، لطيفا بسلوكه وكلامه، وشهر السلام والرحمة والتراحم، والمغفرة والغفران، هو شهر ليلة القدر التي هي سلام على الدنيا والناس أجمعين. هو شهر الدول والمجتمعات المصنفة عالم ثالث أو فقيرة، ففي رمضان يساعد المواطن ادارة الدولة العادلة، وتساعد الدولة المواطن بايجاد فرص عمل، وتنفيذ مشاريع صحية وتعليمية مثلا مما يتم توفيره، تعود فائدتها على أفقر المواطنين، لكن هذا لن يحدث لأن مؤشر الاستهلاك والاستيراد يتصاعد، ويسجل ارقاما قياسية، فنفتح بأيدينا جروحا تبقى نازفة بسكين شهوتنا القياسية للطعام، ونصب جام غضبنا على مؤسسات دولتنا اذا لم تغرق اسواقنا بالمستورد من الشرق والغرب والشمال والجنوب.
تهاجمنا الفضائيات بجحافل مسلسلات محمولة، وجيوش جنودها ممثلون وممثلات، فيحتلون زماننا الذي تحتاجه نفوسنا للشعور بالطمأنينة والسلام، ويستوطنونها بالرعب السمج، والصراخ والعويل، وتفيض الشاشات بدموع النساء وأنينهن وجراحهن، وتستحضر مشاهد سفك الدماء بسيوف ورماح المتحاربين من عهد الجاهلية حتى حريم السلطان ليس من ايام العثمانيين وحسب بل في ايام سلاطين القرن الواحد والعشرين، فتصيب مجالس العائلة بضربة قاضية، التي بات معظمها لا يلتئم إلا حول لحوم الضأن، والطيور المحمرة، حتى الحلويات العربية الأصيلة تعرضت لغزو الافرنجية، ويا لمرارة موظف دخله محدود اضطر لمجاملة العائلة أو الأصدقاء- حسب التقاليد والعادات- بإفطار كلفه ثلث راتبه على الأقل، لأنه لا بد أن ينصبها مائدة عرمرمية.. وإلا؟!!

 

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024