الرئيسة/  مقالات وتحليلات

وداعا برنار رافنيل

نشر بتاريخ: 2023-01-19 الساعة: 11:59

وداعا برنار رافنيل

 


فقدت حركة التضامن الفرنسية مع الشعب الفلسطيني وفلسطين واحدا من المدافعين المرموقين عنها، إنه برنار رافنيل، الذي وافته المنية في 15 يناير الماضي في العاصمة الفرنسية باريس وسط حزن عم أصدقاء الشعب الفلسطيني في فرنسا.

شغلت القضية الفلسطينية اهتمامه منذ مطلع الستينيات، عندما كان عضوا مؤسسا فيما عرف في تلك الفترة بـ "الحزب الاشتراكي الموحد"، وكان من بين مؤسسيه القيادي الاشتراكي ميشيل روكار والذي كان رئيس وزراء فرنسا خلال فترة الثمانينيات، وكان هذا الحزب احد روافد الحزب الاشتراكي الفرنسي والذي تم إعادة تأسيسه عام 1971 على يد الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران وقد وضع رافنيل كتابا يؤرخ مسيرة الحزب الاشتراكي الموحد والذي تم إنشاؤه بالأساس عام 1960 على خلفية معارضة مؤسسيه ومناصريه للاستعمار الفرنسي للجزائر.

ضمن هذه البيئة حدد برنار والذي درس التاريخ وأصبح لاحقا أستاذا له في معهد الدراسات السياسية في باريس، خياراته الفكرية والسياسية في مجابهة الاستعمار والدعوة للسلام ونزع الأسلحة الشاملة والنووية، فكان عضوا نشيطا في الحركات الأوروبية الداعية لنزع السلاح ونشر السلام والحرية، وفي هذا السياق جاء التزامه بالدفاع عن عدالة القضية الفلسطينية في فرنسا ضمن حركة التضامن.

وفي عام 2001 ومع اندلاع الانتفاضة الثانية في فلسطين قرر الجناحان الرئيسيان لحركة التضامن الفرنسية مع فلسطين التوحد، وكان الجناح الأول AMFP (الجمعية الطبية الفرنسية الفلسطينية) والتي تأسست عام 1974 من مجموعة من الأطباء الفرنسيين ذوي التوجه اليساري الماوي، وبدعم مباشر من مدير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك الشهيد عز الدين القلق، والذين كانوا ينشطون في دعم المخيمات الفلسطينية في لبنان، أما الجناح الثاني فكان "جمعية فرنسا فلسطين" والتي تأسست عام 1979 وكانت قريبة في تأسيسها للحزب الشيوعي الفرنسي، وكانت الجمعية تتحرك على المستوى السياسي والإعلامي الفرنسي وتنادي بحل للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة، وتوحد الجناحان في إطار جمعية هامة اسمها AFPS ، أي الجمعية الفرنسية الفلسطينية للتضامن، وكان برنار رافنيل أول رئيس لها حتى عام 2009. وخلال فترة رئاسته أصبحت الجمعية تضم الآلاف من الأعضاء والمناصرين ولها فروع تقريبا في أغلب المدن الفرنسية وأصبحت إطارا فاعلا ومحاورا في كل المناسبات الخاصة بفلسطين.

خلال هذه الفترة أيضا كان برنار رافنيل أحد مؤسسي محكمة راسيل لفلسطين والتي تأسست عام 2009 كمحكمة رأي عام تضم محامين وأدباء وفنانين وناشطين، تدعو لوضع حد لحصانة إسرائيل الدولية أمام الجرائم التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطيني والتي يدينها القانون الدولي. وكان رئيس المحكمة السفير الفرنسي الشهير ستيفان هيسيل وهو يهودي الديانة، ناجٍ من معسكرات النازية وأحد الذين ساهموا بكتابة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 .

اهتم برنار رافنيل بموضوع المقاومة الشعبية في فلسطين وحتى قبل أن تعتمدها حركة فتح في مؤتمرها السادس في بيت لحم عام 2009، كخيار استراتيجي في عملها، ودرس بعمق تجارب المقاومة الشعبية في عدد من دول العالم وبخاصة الهند وتوقف عند تجربة الانتفاضة الأولى في فلسطين في نهاية 1987 وكان يتحدث في محاضراته وكتاباته عن الدور المركزي الذي لعبه القائد الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) في إنشاء اللجان الشعبية في كل الأرض الفلسطينية لتكون بنية الانتفاضة واستمرارها والتي استطاعت استقطاب قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي ووسائل إعلامه وشكلت منعطفا هاما في القضية الفلسطينية.

الموضوع الثاني الذي استقطب اهتمام برنار هو انتشار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا إسرائيل، فوضع كتابا ومقالات حول هذا الموضوع في فرنسا مطالبا بالاهتمام بامتلاك دولة الاحتلال السلاح النووي مثلما يتم الاهتمام وبشكل حصري تقريبا في الأوساط السياسية والإعلامية في إيران وما يسمى محاولتها الحصول على السلاح النووي .

سعى برنار لإنشاء أكبر منصة لدعم نضال الشعب الفلسطيني في فرنسا، لتضم حركات تضامن، وأحزابا سياسية ونقابات وجمعيات مجتمع مدني، تعمل جميعها بشكل تنسيقي لصالح فلسطين، فكان من أحد مؤسسي "تجمع الجمعيات الأهلية لفلسطين" والذي يضم قرابة 50 مؤسسة أهلية وترأس هذا الإطار منذ عام 2001 وحتى عام 2009.

التزام برنار رافنيل بدعم الشعب الفلسطيني ونضاله، لم يمنعه أن يكون ناقدا وبشكل علني وخلاقا لبعض سياسات وخيارات منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية وكان مستمعا ومحاورا لكافة الآراء بالشأن الفلسطينية في إطار الاحترام المتبادل.

استمر برنار في المشاركة في الدفاع عن قضية فلسطين في كافة المنابر ومحاولة اللوبي المؤيد للاحتلال الإسرائيلي في فرنسا تشويه النضال الفلسطيني وربطه بمعاداة السامية ولم يتردد بانتقاد أحد رؤساء الوزراء الفرنسيين السابقين في عام 2017 عندما قال: إن مناهضة الحركة الصهيونية وانتقاد سياستها بحق الشعب الفلسطيني هي أحد الأشكال الحديثة لمعاداة السامية.

برنار رافنيل الذي يستحق التكريم فلسطينيا وعلى أعلى المستويات، ترك إرثا سياسيا وفكريا يتوجب دراسته ونشره

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024