الرئيسة/  مقالات وتحليلات

معركة القيد الأشرس

نشر بتاريخ: 2023-01-04 الساعة: 12:38

عمر حلمي الغول


واحدة من الجبهات المحتدمة على مدار الساعة، والتي لم تتوقف ثانية واحدة، هي معركة الصراع بين الجلاد والضحية، بين السجان وأسير الحرية، بين المجرم القاتل والمغتصب للأرض والثروات ولحقوق الإنسان والمواطن الفلسطيني صاحب الأرض، والمدافع عن حقوقه الوطنية السياسية والقانونية والإنسانية، والتي أقرتها قرارات الشرعية الدولية، وكفلت للفلسطيني حق استخدام أشكال الكفاح كافة لنيل حريته واستقلاله وعودته وتقرير مصيره على أرض وطنه الأم فلسطين.

وإذا تتبعنا سيرورة الصراع من محطة احتلال باقي أراضي فلسطين التاريخية والجولان السوري وسيناء المصرية في الخامس من حزيران 1967، وفتح دولة التطهير العرقي الإسرائيلية أبواب الباستيلات الصهيونية لقهر وقمع حرية وإرادة الشعب الفلسطيني، التي ارتكزت على القانون البريطاني، الاعتقال الإداري المنافي لحقوق الإنسان، والذي تخلت عنه الدول كافة بما في ذلك بريطانيا، بقيت دولة الإرهاب والجريمة المنظمة متمسكة به حتى يوم الدنيا هذا، وعملت وتعمل على توسيع نطاقه، وتعميق جرائم سلطات السجون ضد أسرى الحرية الأبطال داخل أسوار المعتقلات والزنازين لتضييق خناق القيد ومقصلة الموت على رقاب جنرالات الأمل والحياة والكرامة من الفلسطينيين، وتم اعتقال ما يزيد عن المليون فلسطيني، واغتيال 233 أسيرا آخرهم الشهيد البطل ناصر أبو حميد نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وشهدت السجون صراعا دمويا في العديد من المواجهات الناجمة عن اقتحامات جنود جيش الموت الإسرائيلي لأقسام وغرف وزنازين رجال الحرية البواسل، وارتكب العدو الصهيوني العديد من الجرائم البشعة ضدهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، سأورد ما رصدته المؤسسات الحقوقية الفلسطينية وأبرزها هيئة شؤون الأسرى المحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، ومركز وادي حلوة – القدس عن جزء من تلك الجرائم، التي ارتكبت خلال العام المنصرم 2022 فقط، ومنها:

اعتقال 7000 مواطن فلسطيني من الضفة الفلسطينية بما فيها القدس وقطاع غزة، من بينهم 882 طفلا و172 امرأة. وفي بعض حالات الاعتقال استخدمت قوات جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية أفراد العائلات كدروع بشرية، ونفذت عمليات اعتقال بهدف الضغط على المطاردين لتسليم أنفسهم، وطال ذلك أشقاءهم وأصدقاءهم وأمهاتهم وزوجاتهم وأبناءهم. ولم تتورع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن ارتكاب مطلق جريمة لتنفيذ عمليات الاعتقال للمناضلين الفلسطينيين.

وهناك شبه إجماع بين معظم مؤسسات حقوق الإنسان، أن عام 2022 كان الأكثر دموية وتكثيفا لجرائم الاعتقال، والتنكيل بالمناضلين وذويهم وأصدقائهم خلال السنوات العشر الأخيرة. كما وشهد العام الماضي عملية أمنية عسكرية واسعة تحت عنوان "كاسر الأمواج" بعد سلسلة من الهجمات الفدائية المسلحة ضد قواتها الاستعمارية وقطعان مستعمريها، كان أحد أهدافها اعتقال عدد من المناضلين بادعاء، أنهم يخططون للقيام بهجمات فدائية ضدهم.

ووفق بيانات تلك المؤسسات، فإن عدد أسرى الحرية في السجون حتى نهاية 2022 (4700) أسير حرب، بينهم (29) أسيرة، و(150) طفلا، وقرابة (850) معتقلا إداريا، بينهم (7) أطفال، وأسيرتان، و(15) صحفيا. وهذه الأرقام ليست ثابتة، بل متحركة صعودا وهبوطا وفق تطور الأحداث، وحسب خلفيات عمليات الاعتقال.

ولكن مع تولي إيتمار بن غفير، وزير ما يسمى الأمن القومي، الذي يشرف على السجون، فإن المواجهة ستحتدم أكثر فأكثر، وبالضرورة ستأخذ عمليات المواجهة داخل الباستيلات منحى أكثر دموية وتعقيدا، وقد ترتفع نسبة الشهداء نتاج تلك المعارك المفتوحة في مختلف السجون الإجرامية.

ومن بين الجرائم التي ترتكبها سلطات السجون ضد أسرى الحرية، الإهمال الطبي، حيث تفيد المعطيات، أن عدد الأسرى المرضى حتى نهاية العام أكثر من (600) أسير يواجهون أوضاعا صحية خطرة تهدد حياتهم، من بينهم (200) أسير وأسيرة يعانون أمراضا مزمنة، و(24) أسيرا مصابون بالأورام الخبيثة والسرطان بمستويات متفاوتة، و(6) أسرى مقعدين، و(33) يعانون أمراضا في العيون، و(34) أمراض الكلى، و(120) أسيرا مصابا برصاص جيش الموت الإسرائيلي، و(58) أسيرا يعانون من أمراض القلب، و(16) يعانون من أمراض في الدم والأوعية الدموية، و(79) منهم مصابون بأمراض العظام، و(45) يشتكون من أمراض نفسية وأعصاب، و(27) من التهابات في الأجهزة التنفسية، بالإضافة للعشرات ممن يشتكون من أمراض الأسنان، وأمراض الضغط والسكري المزمنة.

وكل ذلك جاء نتيجة سياسة الإهمال الطبي الإجرامية، وهي أحد أسلحة المواجهة، التي تستخدمها سلطات السجون لتنفيذ عمليات الإعدام البطيء والممنهج، الذي يتنافى مع أبسط الشرائع والقوانين الدولية، ونجم عن ذلك رحيل (74) شهيدا من أسرى الحرية منذ عام 1967 من بين الـ233 شهيدا. وسلاح الإهمال الطبي سيتضاعف أكثر فأكثر مع تولي نتنياهو حكومته السادسة، أي الحكومة الأكثر فاشية.

فضلا عن سياسة العزل الانفرادي بأشكاله المتعددة داخل السجون، والتي تفاقمت في العام الماضي نتاج تمكن أسرى جلبوع الستة من نيل حريتهم لبعض الوقت في أيلول/ سبتمبر 2021، وبلغ عدد الأسرى الخاضعين لعمليات العزل الانفرادي أكثر من (70) أسيرا، وهي النسبة الأعلى منذ عام 2012.

وتؤكد المؤسسات الحقوقية، أن سياسة العزل الانفرادي تمثل أخطر أنواع السياسات التنكيلية، التي تنفذها إدارات السجون بحق الأسرى البواسل، وهذه السياسة الإجرامية تهدف إلى إعدام بطيء للأسرى نفسيا وصحيا من خلال الاحتجاز لفترات طويلة، وعزلهم في زنازين لا تصلح للعيش الآدمي، لأنها مظلمة وضيقة وقذرة وجدرانها، التي تخنق الأسرى بعفونتها ورطوبتها، وحماماتها آسنة وقذرة وبائدة، وتنتشر فيها الحشرات، وتعتبر زنازين العزل الانفرادي مخزن لكل الموبقات وعمليات القتل العمد وعن سابق تصميم وإصرار.

معركة الأسرى هي معركة الكرامة والحرية والدفاع عن السلام، معركة كل الشعب الفلسطيني. لاسيما أن هناك مستويات لعمليات الاعتقال، فالاستعمار الإجلائي الإحلالي الصهيوني، هو معتقل كبير لكل أبناء فلسطين الصامدين على تراب وطنهم الأم، وهناك الباستيلات الـ23 والتي قد يتضاعف عددها في الفترة القادمة نتيجة صعود الفاشيين الجدد لمركز القرار. بطبيعة الحال لن يغيروا كثيرا من محتوى الصراع، ولكنهم سيرفعون من منسوب التحدي، ومن مضاعفة جرائم القتل، وستصبح محاكم التفتيش الصهيونية أكثر وحشية. كما أن المواجهات مع إدارات السجون ستأخذ منحى آخر، أكثر شراسة وعدوانية وهمجية.

وأيا كانت طبيعة المعارك التي سيشارك بها أسرى الحرية ضد الجلادين الصهاينة، فإن النصر المؤكد لأبطال السلام والتحرير والعدالة، لأبناء الشعب الفلسطيني.

oalghoul@gmail.coma

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024