الرئيسة/  مقالات وتحليلات

حماس.. ظروف تأسيسها ومساراتها السياسية

نشر بتاريخ: 2022-12-15 الساعة: 13:54

باسم برهوم

 


تحتفل حماس هذه الأيام بالذكرى 35 لتأسيسها، فقد سمع الشعب الفلسطيني في 15 كانون الأول عام 1987 بتنظيم جديد يعلن عن نفسه باسم حركة المقاومة الإسلامية، واختصاره بـ "حماس"، وفي حينه تساءل الشعب الفلسطيني: ما هي هوية هذا التنظيم؟ لماذا أعلن عن نفسه الآن ولماذا تأخر الإعلان كل هذه السنين ولم ينطلق مع فصائل الثورة الفلسطينية الأخرى التي انطلقت في الفترة من عام 1965 وحتى مطلع عام 1968؟ ولماذا لا يشمل اسم التنظيم أي ذكر لفلسطين كباقي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وأطلق على نفسه حركة المقاومة الإسلامية؟

بعد أشهر قليلة أجابت حماس على سؤال هويتها، ومن تكون، عندما نشرت ميثاقها في ربيع عام 1988، وقالت فيه إنها حركة إسلامية، وهي جزء لا يتجزأ من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وقدمت نفسها بديلا لمنظمة التحرير وهويتها، وهوية فصائلها، عندما قال ميثاقها إن المنظمة تأسست في مرحلة المد القومي والعلماني العربي، وبالتالي فإن تناقضهم مع المنظمة في كونها وطنية علمانية. ومنذ ذلك الحين رفضت حماس وبمبررات مختلفة الانضمام للمنظمة، كما رفضت جماعة الإخوان المسلمين الانضمام للثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها.

أكثر من ذلك لم تنضوِ حماس في إطار القيادة الموحدة للانتفاضة بصفتها ذراع المنظمة في الأرض المحتلة، ورفضت حتى التنسيق معها، وأخذت تعلن أياما للإضراب والفعاليات الجماهيرية غير تلك التي تعلنها القيادة الوطنية الموحدة.. وقبل التقدم في مسار وسلوك حماس السياسي، والذي كانت نقطة البداية فيه بأنها تقدم نفسها بديلا لمنظمة التحرير، فما نحتاج ملاحظته هي الظروف التي تأسست فيها حماس

ففي عام 1979 حصل حدثان كبيران تغير معهما الوضع الإقليمي وحتى الدولي برمته، الأول: سقوط نظام الشاه في إيران، ما أثار مخاوف بعض الدول العربية من المد "الشيعي" فكان لا بد من تقديم الدعم للإسلام السياسي السني وتنظيمه القوي جماعة الإخوان المسلمين، ولاحظنا أن هذه الجماعة كثفت نشاطها الدعوي والسياسي.

أما الحدث الثاني فكان تدخل الاتحاد السوفييتي مباشرة وعسكريا في أفغانستان لدعم النظام المدعوم من الشيوعيين الأفغان في حينه. هذا التطور زاد من حاجة الولايات المتحدة لوجود حلف إسلامي إلى جانبها ودعم المجاهدين في محاربة الاتحاد السوفييتي، ومرة أخرى برزت أهمية جماعة الإخوان المسلمين في جمع الأموال وحشد المجاهدين وإرسالهم للحرب في أفغانستان والمشاركة فيها مباشرة. بهذا المعنى ومع تراجع المد القومي العربي بدأت الجماعة تدخل عصرها الذهبي في الثمانينيات.

وبهدف أن يكون كل شيء مبررا على صعيد إعطاء الإسلام السياسي السني دورا بارزا في الأحداث فإن شرعية أي دور ومحاولة أسلمة المجتمع تبدأ من فلسطين والقضية الفلسطينية، وهنا فإن الانتفاضة الشعبية الفلسطينية شكلت المناسبة الأفضل لإطلاق الجناح "الثوري" في الإسلام السياسي السني. لهذا السبب لم يرد اسم فلسطين في اسم حماس.  

عندما تأسست حماس كان الإسلام السياسي السني في أوج علاقته بالولايات المتحدة الأميركية، فهذه الأخيرة اعتبرت هذا الإسلام الأداة الأنسب والأمضى، لمحاربة الجيش الأحمر في أفغانستان وإلحاق الهزيمة به. هذا التحليل لا علاقة له بنظرية المؤامرة، فواقع الحال في تلك المرحلة كان كذلك حيث تأسس تنظيم القاعدة من رحم جماعة الإخوان المسلمين وأصبحت تنظيمات الإسلام السياسي تنشأ كالفطر.

التوضيح السابق كان ضروريا لفهم سلوك حماس ومسارها السياسي اللاحق، وهنا سنأخذ ثلاث محطات لتوضيح تقلبات حماس السياسية، والتي فرضتها في الغالب عوامل غير فلسطينية بل مصالح التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، ومصالح تحالفات حماس الإقليمية والدولية.

أولى هذه المحطات، قرار التنظيم الدولي للجماعة دخول اللعبة الديمقراطية، التي كان يرفضها لعقود،  تزامن هذا التوجه مع رغبة أميركية في دعم تيار الإسلام السياسي المعتدل، خصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي، من هنا جاء قرار حماس الدخول إلى النظام السياسي الفلسطيني عبر الانتخابات عامي 2005 و 2006، بعد أن كانت رفضت انتخابات عام 1996 بحجة أنها تجري على أساس اتفاقيات أوسلو، حماس لم تأبه هذه المرة وشاركت في انتخابات تجري عمليا وقانونيا على أساس أوسلو وأن تكون في سلطة قائمة انطلاقا من الاتفاقيات. حماس، ومن أجل تحقيق أهداف إخوانية دخلت اللعبة الديمقراطية، فالغاية بالنسبة لها تبرر الوسيلة.

أما المحطة الثانية فهي التي تلت سيطرتها على قطاع غزة بالقوة، الحرب التي دفعت هي وإسرائيل لحصولها نهاية عام 2008 وبداية 2009، كان الهدف منها تعزيز القوة الجماهيرية للجماعة وخاصة في مصر، فالإخوان المسلمون دخلوا هناك اللعبة الديمقراطية أيضا، كما كان هناك تحضير أميركي لاحتمال  أن يتسلم الإخوان الحكم في مصر ودول عربية أخرى خصوصا بعد سيطرة واشنطن على العراق عام 2003 ومخططاتها لتفكيك الدول الوطنية في المنطقة، الحرب المشار إليها جرت بدعم من قوى إقليمية ولخدمة هذه القوى وخدمة السياسة الأميركية وجماعة الإخوان.

وتشكل ما سمي ثورات "الربيع العربي" المحطة الثالثة، فقد انفضح دور جماعة الإخوان وتنسيقها مع الولايات المتحدة، في هذه المرحلة، حماس كشفت كل أوراقها الإخوانية سواء في سوريا أو في مصر، ولم تخف أنها تقوم بكل ما تقوم به لخدمة أهداف الجماعة ومارست ذلك عمليا.

تأتي سلسلة معارك حماس مع إسرائيل، وهي على التوالي 2009، 2012، 2014، 2021 و 2022، كمحطة رابعة، فالسؤال هنا: من المستفيد الحقيقي من هذه المعارك، والتي فقد فيها الشعب الفلسطيني آلاف القتلى والجرحى دون أن يتقدم خطوة في تحقيق أهدافه الوطنية؟ ثم في الفترات بين هذه المعارك ما الذي كانت تفعله حماس؟

ربما علينا أن نراقب المال الذي جنته حماس وقيادتها والمال الذي جنته جماعة الإخوان، في المقابل لم يجني الشعب الفلسطيني في غزة منها أي شيء. أموال التبرعات باسم قطاع غزة بعشرات الملايين. وعلى الصعيد السياسي كان لحماس هدف واحد هو أن تصبح البديل لمنظمة التحرير، وأن تصبح هي من يسيطر على القضية الفلسطينية والتحكم بقرارها، لا من أجل القضية الفلسطينية بل بهدف استخدام  هذه القضية لتمكين الجماعة وحلفهم الإقليمي.

وفي الفترات ما بين المعركة والأخرى لم تقم حماس بأي فعل كفاحي ميداني، فلم يلاحظ لحماس دور في مواجهة الاستيطان ولا في القدس أو المقاومة الشعبية، ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني أن حماس لا تؤمن بالجهد الوطني الجماعي هي فقط معنية بما يظهرها هي ويظهر محاولتها لتكون بديلا للمنظمة، أما الأخطر فإن معاركها لا تدور من أجل تحقيق أهداف وطنية فلسطينية، وإنما لأهداف خاصة بها وخدمة لأجندة الجماعة. فما الذي تحقق للشعب الفلسطيني ولقضيته الوطنية من معارك حماس؟ الجواب لا شيء، وعلى القارئ أن يراجع الأهداف التي كانت تطالب بها حماس مع كل اتفاق تهدئة ليس فيه هدف يتعلق بالقدس أو الاستيطان أو حتى الأقصى، كانت مطالبها تتعلق بتسهيلات تستفيد منها هي وقيادتها، أو تعزز من سيطرتها على قطاع غزة.

على امتداد 35 عاما مثلت حماس ظاهرة انشقاق وانقسام، هذا ما لمسه الفلسطيني خلال الانتفاضة الأولى، ومن ثم عندما قامت بانقلابها العسكري في قطاع غزة عام2007 وحصول أكبر انقسام في تاريخ الشعب الفلسطيني. خلال 35 عاما غالبا ما كانت حماس تستخدم التضحيات الفلسطينية والدم الفلسطيني لخدمة جماعة الإخوان وتمكينها، وعندما كان دور الجماعة يتراجع كانت تلعب دور التنظيم الوطني الفلسطيني، وما إن تسترجع الجماعة بعض قوتها تعود حماس للتباهي بهويتها الإخوانية. وربما يغيب عن البعض السؤال: أين هي قيادة حماس اليوم؟ أين تقيم وماذا تفعل؟ الغالبية العظمى من قيادتها تقيم في الخارج وأصبحت منشغلة أكثر في إدارة المشاريع الاستثمارية، وهذه القيادة موجودة في الخارج باختيارها هي وليس هناك ما يمنع عودتها لقطاع غزة.

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024