الرئيسة/  مقالات وتحليلات

لنبني على ما يحمله الكفاح الفلسطيني من بعدٍ انساني وسياسي لدى شعوب العالم

نشر بتاريخ: 2022-12-04 الساعة: 12:59

 

بقلم: مروان اميل طوباسي

 


من الخطأ بمكان الاعتقاد ان الإدارة الاميركية ستقوم بالضغط على حكومة دولة الاحتلال أو التدخل لتغيير شكلها الحالي القادم، أو حتى اي شيئ لتحريك عملية السلام بالمنطقة ، فالولايات المتحدة التي ما زالت تفكر بعقلية الهيمنة التي نشأت منذ زمن التطهير العرقي للشعوب الاصلية هنالك ، ودولتها العميقة التي مارست الجرائم ضد شعوب العالم ما زالت تعتمد عنصرية الفوقية السياسية البيضاء لا تملك مصلحة في تنفيذ ذلك، ونحن لا نُشكل فائدة اضافية لها في مشروعها للشرق الأوسط الجديد لتطوير دور دولة الاحتلال فيه بل ولقيادته تحت مسميات واتفاقيات مُذلة للغير طالما قضيتنا وحقوقنا بالتحرر والاستقلال الوطني هي المستهدفة. ولذلك هي التي أوقفت تلك العملية السياسية واجراءات تدخلها حتى تُبقي على مبدأ إدارة الأزمة دون حلها لفائدة ذلك المشروع.
فبايدن عندما أتى جاء ليؤكد امامنا بوضوح أعلان صهيونيته والطلب منا انتظار مجيئ المسيح المنتظر وفق الرؤية اليهودية التوراتية لحل ما عرض عليه من مشاكل .
ومن جهة اخرى فمن الخطأ الاعتقاد ايضا أن وصول بن غفير وسموتريتش بقوة الى مركز الحكم في دولة الاستعمار الإسرائيلي هو الذي اتى بصعود المد الفاشي الى مركز الحياة السياسية في دولة الاحتلال كصناع قرار، ولكن العكس هو الصحيح، فإن هيمنة الخطاب الفاشي على الفكر السياسي السائد في إسرائيل بما في ذلك في ظل حكومة لبيد - بينيت، وحكومات نتنياهو - غانتس وحكومات نتنياهو من قبل وما قبلهما، هي المسؤولة عن الصعود الفاشي في منظومة الحكم في دولة الأحتلال وهي التي جلبت القوى الفاشية بهذا الزخم الى الحكم، بمعنى أن الانتقال الفاشي في إسرائيل هو الذي جلب القوى الفاشية الى الحكم ، وليس وصول القوى الفاشية هو الذي جلب الخطاب الفاشي الى المؤسسة السياسية الحاكمة.
إن التجربة التاريخية لنمو الفاشية في كل مكان ، تؤكد أن الفاشية لا تتقدم فقط بفعل ما يقوم به الفاشيون وحدهم، انما تتقدم وتحتل مواقعها الجديدة المتقدمة بفعل ما يقوم به، أو الأصح بفعل ما لا تقوم به القوى غير الفاشية في المجتمع، وبفعل تقاعسها عن المواجهة مع المد الفاشي في مهده ما دامت نار الفاشية لا تطال ذيولها مباشرة، لكنها ستطول من لا زالوا يعتبرون انفسهم من "الليبراليين" ، ما سيعمق ازمة المجتمع في دولة الاحتلال الاستعماري، عملاً بقول"أُكلت يوم اُكل الثور الأبيض".
ان دولة الاحتلال كمشروع استعماري عنصري يقوم على اسس الفوقية اليهودية بالمنطقة منذ نشأتها، تُشكل الأداة المتقدمة لأستراتيجيات "الأمن القومي الأميركي ورؤيتها الأستعمارية"،وفي محاولات تلك الإدارة للابقاء على هيمنة نظام قطبيتها الأحادية الآن في مواجهتها مع الشرق الناهض ودوله مثل الصين وروسيا ومصالح شعوب العالم .
تلك العلاقة العضوية لن تتبدل بتغير شكل الإدارة الأميركية أو حكومة دولة الأحتلال كما يظن البعض. فهنالك محددات وأسس فكرية وسياسية بل ورؤية دينية مشتركة وفق تفسيراتهم لها، وأطماع ومصالح متوحشة واضحة للحركة الصهيونية العالمية وغطائها السياسي وشركائها العقائدين حول العالم بالرغم من أزمتها البنيوية اليوم .
ان البديل الى جانب تعزيز كل مقومات وجودنا وصمودنا ومقاومتنا الشعبية التي اتاحتها لنا المواثيق الدولية وفق ضرورة وضوح رؤيتنا، هو الحراك السياسي الدولي والاقليمي واستمرار التوجه الجاد نحو المنظمات الدولية بما فيها محكمة العدل الدولية ومحكمة الجرائم الدولية ضد استمرار الاحتلال كجريمة، والجرائم اليومية المرتكبة بغض النظر عن اية ضغوطات تمارس علينا،والتمسك بدور دولي متعدد لأي رعاية لعملية سياسية قد تكون ممكنة عند توفر الظروف التي لا تتوفر الان نهائيا، كما وضرورة الانفتاح على التكتلات الدولية الأخرى والناشئة وتعزيز العلاقات الثنائية معها وفق مصالحنا الوطنية، إضافة الى تعزيز التضامن الدولي مع شعوب العالم وقواها السياسية التقدمية والحرة بما في ذلك قوى جديدة ناشئة بالولايات المتحدة واوروبا لتشكل أداة ضغط على حكوماتها الغربية على أسس تأييد حقنا بتقرير المصير وإنهاء الاحتلال كما والكفاح المشترك ضد العنصرية وصعود الفاشية .
الارهابي الأخطر في هذه المرحلة، هو شخص بنيامين نتنياهو، وهو يُشخّص جوهر الحركة الصهيونية الارهابية بأهدافها، ومن دون محاولات تستر .
بن غفير وسموتريتش هما مجرد ادوات، يديران العصابات الاجرامية الارهابية، لكنهما الان أيضا أصبحا ممن يرسمون سياسات .
قلت في مقال سابق:إن المتغيّر الوحيد في الحالة القائمة، ليس هم، فهم ارهابيون كانوا وما زالوا منذ صياغة بروتوكلات حكماء صهيون، يسعون الى تنفيذ رؤية الأحلال الاستعماري .
المتغيّر هو نحن الشعب الفلسطيني، فنحن أقوى بأضعاف مما كنا عليه في العام ١٩٤٨ عند جريمة النكبة ، لكننا يجب أن نحسن إدارة المعركة اليوم، فالحركة الصهيونية واهمة اذا اعتقدت انها بارهابها المستفحل ستغيّر المعادلة وستقضي على قضيتنا ووجودنا.
هنالك ضرورة دائمة لقراءة دروس التاريخ وعِبَرها وتقيمها في كل مرحلة من محطات مرحلة التحرر الوطني التي ما زلنا نسير فيها بما تحمله من تعقيدات لم تشهدها حركات تحرر وطنية أخرى بالعالم.
مرحلة استفحال وحشية الفكر الصهيوني التي لم تتوقف يوماً، نتعرض فيها لجرائم اعدام يومية بشعة لشبابنا وحصار مدننا وانفلات عصابات المستوطنين والضم التدريجي للاراضي وتوسيع المستوطنات والتطهير العرقي بالقدس والاغوار والخليل.
لكنها مرحلة نملك فيها ما نريد من كرامة وطنية ومن تعاطف وتضامن الشعوب وأحزابها وحركاتها التقدمية وكذلك العديد من الدول على أثر عدالة قضيتنا وفاشية دولة الاحتلال وجرائمها التي أصبح من الصعب لكثير من الدول الان الدفاع عنها أمام شعوبها التي تُصاعد حراكها منذ فترة ضد كل أشكال الظلم والعنصرية واليمين الفاشي في اوروبا او اميركا اللاتينية بل وحتى بالولايات المتحدة الى حدود ما ، وبتنامي القناعة المتولدة لديهم بأن لا شريك للسلام في ذلك المجتمع الذي يأخذ منحى التطرف اليميني الفاشي والديني في آن واحد، ذلك المجتمع الذي تنطبق على سياساته كل مفاهيم الابرتهايد التي سنرى منها اشكالا اكثر وضوحا ووحشية بالأيام القادمة.
فقَدرُنا هو أن نكون بين الشعوب ومع حركاتها ضد النظام المتوحش والابرتهايد والاضطهاد والاستغلال أينما كان ذلك قائما في هذا العالم.
فقد رأينا ما تفعله شعوب العالم المختلفة خلال مباريات المونديال الجارية ، والاعلام الفلسطينية التي رفعت مؤخرا في مظاهرات الشعوب الأوروبية ضد سياسات الناتو والفقر والبطالة .
وقد رأيت انا خلال مشاركتي الاسبوع الماضي بالعاصمة اليونانية بندوة دولية حول سياسات الهيمنة الأميركية وتحديدا ضد حصار كوبا الصديقة، كيف أن الحضور الكبير رفع هنالك الاعلام الفلسطينية، مؤكدا بذلك على اولوية ما يشكله كفاح شعبنا من مسوؤلية وأهمية إنسانية وسياسية بالنسبة لهم، كذلك كان الامر نفسه في أحياء يوم التضامن الدولي في اثينا من قبل قوى صديقة لنا كما بعواصم دولية أخرى وحتى بالقرارات الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام.
دورنا ان نكون جزء من هؤلاء وان نساندهم كي يساندونا، دورنا ان نقاتل من أجل كرامة فلسطين ومن أجل الحريات ومبادئ الإنسانية جمعاء وتقدمها في هذا العالم ، مع من يقاتل لاجلنا ولاجله أيضا، دورنا ان نبحث عن أصحاب المبادئ والسياسات المشتركة معنا بالعالم من دول وأحزاب وقوى اجتماعية تقدمية التي تتفق مع مطالبنا وحقوقنا المشروعة غير القابلة للتصرف ونطور علاقاتنا معها والتي تقف الى جانب حريتنا في هذا العالم دون نفاق سياسي،علينا أن نكون بالجانب الصحيح للتاريخ كما هي قضيتنا، ونبتعد عن السير خلف سراب الوعود الاميركية .
ولنستبشر خيرا ، فمهما كان المشهد سوداويا من جهة، فهنالك وجه آخر مشرق يمثله هذا التضامن الدولي الشعبي، كذلك مواقف رسمية غير منافقة والكفاح الوطني المتصاعد من شبابنا في كل المواقع ، فرغم حلكة الظلام الأشد الا انها اللحظات التي تسبق الفجر .

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024