الرئيسة/  مقالات وتحليلات

حول"الاونكتاد" و"عُدي" وكلفة الأحتلال بقلم: مروان اميل طوباسي

نشر بتاريخ: 2022-10-23 الساعة: 12:46

مروان اميل طوباسي

 

في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الاونكتاد" الذي انعقد خلال الأيام الماضية في جنيف، والذي استعرض معطيات وأرقام حول مدى استفادة الاحتلال الاستعماري من استمرار سيطرته على ارضنا ومقدراتنا.

الأرقام التي جاءت بتقرير "الاونكتاد" لم تكن مفاجئة لأحد منا وبشكل خاص فيما اشارت له حول خسارة فلسطين نحو 50 مليار دولار بسبب إجراءات الاحتلال بين عامي 2000-2020، إضافة إلى اشارة التقرير الى ان الأستيطان الاستعماري يُدِر 41 مليار دولار سنويا على إسرائيل ، وهو مبلغ يفوق بكثير المساعدات الاقتصادية الأميركية لإسرائيل التي تصل إلى حوالي 1.5 مليار دولار سنويا عدا عن المساعدات في مجالات أخرى ومن أهمها العسكرية.

ان اقتصاد دولة الاحتلال واحد من اقتصاديات العالم الذي مر بمراحل بسيطة جدًّا لنشأته وتطوره، فأخذ يصعد للأعلى بمساعدة دول العالم الغربي له والجاليات اليهودية حول العالم، فضلاً عن فصول الاستغلال الاستعماري الناتج عن استمرار الاحتلال الاستيطاني وما تبع ذلك من إلحاق قصري للاقتصاد الفلسطيني الذي وضعت كل العراقيل في وجه تنميته بكل الاشكال المعروفة.

ما كان هاما في هذا المؤتمر هو ما صرح به رئيس الوزراء د. محمد اشتيه أمام الحضور، "بأن الاحتلال للأراضي الفلسطينية مربح لإسرائيل ، ومن أجل إنهائه يجب جعله احتلالاً مكلفاً عبر عقوبات على الاستيطان ومنتجاته"، ودعوته للمجتمعين "إلى العمل على توزيع مخرجات التقرير على أوسع نطاق وإرساله إلى المحكمة الجنائية الدولية كوثيقة ضد إسرائيل".

ان الاحتلال الإسرائيلي القائم منذ عام 1967، لم يتخذ شكل الاحتلال العسكري المؤقت الذي ساد في بعض الدول نتيجة حروب عسكرية ، وانما امتداد لقيام دولة إسرائيل عام 1947 كمشروع استعماري استيطاني يقوم على أساس الاحلال السكاني وطرد ابناء شعبنا اصحاب الأرض الأصليين من خلال ما مارسته من جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب منذ نكبة شعبنا الفلسطيني التي تشكل واحدة من ابشع جرائم التطهير العرقي في العصر الحديث.

تلك الجرائم التي استمرت بتصاعد واشكال مختلفة دون حسيب أو رقيب من المجتمع الدولي العاجز عن معاقبتها ، فتمادت في سياساتها الاستعمارية التي ارتكزت على مسألة الاستفادة من الوقت والتنكر للاتفاقيات رغم اجحاف بعضها بحق ثوابت شعبنا وعلى راسها الحق بتقرير المصير، من خلال توسيع الاستيطان وضم المناطق السكانية وتقسيمها الى بقع جغرافية مختلفة في كانتونات محصورة وإطباق السيطرة على المناطق المصنفة "ج" التي أصبحت تضم مستوطنين باتوا يشكلون اكثر من 23% من سكان أرض دولة فلسطين المحتلة، كما ومنعت ليس فقط التنمية الاقتصادية فيها بل واية مشاريع بالقطاعات المختلفة، الأمر الذي يؤكد بان التنمية الاقتصادية لن تتحقق لنا في ظل وجود الاحتلال.

ان مسألة جعل الاحتلال مكلفا يجب أن يأخذ اشكالا مختلفة وتطبيقات عملية الى جانب دعوة المجتمع الدولي لفرض عقوبات على الاستيطان ومنتجاته، بل ويجب ان يتعدى هذا المفهوم، بدعوة المجتمع الدولي اليوم لفرض العقوبات على إسرائيل كدولة ابرتهايد واحتلال استيطاني وفق قواعد النظام الأساس لهيئة الأمم والقانون الدولي واشعار العالم بعدم وجود اية عملية سياسية نظرا لانتهاكات وتنصل دولة الاحتلال منها اساسا ، والتحلل من الاتفاقيات التي لم تصل بنا إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، كما والاسراع والبدء العملي بتنفيذ قرارات المجلس المركزي في دوراته الاخيرة وما صرح به الرئيس "ابو مازن" من وجوب تحديد طبيعة العلاقة المفترضة بين الاحتلال وشعب تحت الاحتلال.

لم ينته اي احتلال بالعالم دون مقاومة مختلفة الاشكال والانماط استندت إلى ما اقرته التشريعات الدولية للشعوب التي تناضل من أجل إنهاء احتلالها واستعمارها، والى كرامة الشعوب وحقها بالسيادة على اراضيها.

فإلى جانب العمل السياسي والدبلوماسي على كافة الساحات وبالمحافل الإقليمية والدولية الذي يجب ان يستند إلى خطاب مقاومة ورفض الاحتلال والعمل على انهائه اولا ومقاطعة الدولة القائمة عليه،وهو ما يشكل احد ركائز حقوق الشعوب الطبيعية والمشروعة، يتوجب الاعتراض على قيام بعض الدول بتطوير علاقاتها مع اسرائيل.

إن ما يحدث الان في كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية من تصاعد لمفهوم المقاومة الشعبية والتي اقرتها الشعوب الأوروبية لنفسها زمن مقاومة الاحتلال النازي ، يشكل احد اهم المحددات لجعل الاحتلال اكثر كلفةً.

ان ما يجري هو تراكم لموجات المواجهة والمقاومة ضد هذا الاحتلال الاستعماري منذ بدايات الكفاح الوطني بقيادة منظمة التحرير وما قبل ذلك زمن الانتداب، وهو الظاهرة الطبيعية لعدم جواز وجود احتلال مجاني أو مظاهر تتعلق بالتعايش مع هذا الاحتلال تحت مسميات مختلفة.

وبغض النظر عن ضرورات تقييم تجاربنا من أجل وضوح اكثر لرؤية دحر الاحتلال نحو التحرر والاستقلال الوطني خاصة في ظل هذه المتغيرات الدولية الجارية وما يعانيه الغرب من ازمات ومع اقتراب موسم الانتخابات الأميركية والاسرائيلية في الشهر القادم، الا انه من الواضح أن ما يجري من مقاومة شعبية مختلفة الاشكال أصبح يشكل ارباكا اضافيا للمستويات الإسرائيلية الأمنية والسياسية خاصة مع وضوح عدم إمكانية خضوع الجيل الشاب الجديد لمنهج استدامة الاحتلال والقهر والاستيطان، وهو جيل لم يرتبط بعد بحكم عمره مثل جيلنا باستحقاقات قروض بنكية أو غيرها ولا يزال دون ارتباط بالنواة الأسرية ومسؤولياتها، فبات جيل مشتبك بما يذكرنا بجيلنا بالانتفاضة الكبرى، وبات غير مقتنع ربما ببعض من جوانب الخطاب السياسي الذي بات غير مقنع بالنسبة لهؤلاء الفتية المقاتلون من مسافة الصفر ضد جنود الاحتلال على الحواجز وأبواب المستوطنات، وهم يحظون اليوم بتفاعل شعبي كما حدث قبل أيام مع الفدائي الشهيد عدي التميمي وكافة الشهداء المشتبكين،الذي قاتل حتى الرمق الأخير فبات أيقونة للشباب، يتوجب تفاعل المواقف السياسية الرسمية معه كنموذج.

تلك هي احدى اشكال دفع المجتمع الإسرائيلي نحو التفكير بكلفة الاحتلال بالتكامل مع ما أشرت له في بداية المقال إلى جانب ضرورة الانتقال أيضا إلى اشكال مفاهيم اقتصاد التقشف المقاوم والمنتج صناعيا وزراعيا حتى نمارس الانفكاك الاقتصادي ولو تدريجيا لكن جديا. هذا إلى جانب البعد القانوني المقاوم في تجسيد مفهوم الدولة المستقلة من خلال القرارات الاممية وتفعيل الشكاوى بشكل عاجل أمام محكمة العدل ومحكمة الجنايات الدولية والاسراع بمحاكمة مجرمي الحرب كما حدث بالتاريخ من خلال محاكم نورمبرغ التي اقامها الاوروبيون لمجرمي الحرب النازيين. 

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024