الرئيسة/  مقالات وتحليلات

أبو مازن الرئيس اليوم هو نفسه الدكتور قبل 40 عامًا

نشر بتاريخ: 2022-10-18 الساعة: 16:30

 موفق مطر 

نعتقد أن اعتلاء رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية أبو مازن أي منبر عالمي أو دولي أو عربي أو وطني فلسطيني، وتنوير الضمير الإنساني أينما كان وأيا كان عرقه أو جنسه، يعني أنه يقدم رسالة واضحة المصطلحات بمعانيها المحددة غير القابلة لأخذها إلى لعبة المترادفات، وأن على ملتقطها – وتحديدا الفلسطيني المبدع -، مزاوجة السياسي مع الثقافي، والمبادرة في تكوين المشهد السياسي والثقافي المتناسب مع اللحظة الراهنة التي منها نشكل ممرا نحو المستقبل، والاستمرار بقوة على منهجي ثقافة وسياسة وطنية، لم تغيرها الواقعية السياسية، وإنما العكس ثبّتت الحق في الرواية الفلسطينية للإنسانية.

نحن على يقين – حسب معرفتنا وتجربتنا - أن كلمات وخطابات وكتابات الرئيس هي في الحقيقة رسائل صيغت بأعلى مستوى من المسؤولية، رسائل مجردة من انعكاسات الرغبات الشخصية في الزعامة، وتقمص أدوار البطولة، فعندما يتحدث الرئيس في عام 2022 عن منظومة الاحتلال الاستيطاني (إسرائيل)، ويصفها بأكثر من ثلاثين وصفا منها: دولة العنصرية والجريمة ضد الإنسانية، ودولة جريمة الحرب والتطهير العرقي والمخالفة للقانون الدولي، والخارجة على الشرعية الدولية..إلخ, فهو بذلك يسعى لتطهير وعي العالم من فيروس الدعاية الصهيونية، فكان له أن تكون شهادته لنيل شهادة الدكتوراة، بحثا علميا يسقط قناعها، ويكشف ارتباطاتها كمستخدم للدول الاستعمارية – الولايات المتحدة وبريطانيا والنازية أيضا-، وكان ذلك قبل أربعين سنة، أي في عام 1982 عندما حصـل على شهـادة الدكتـوراة من معهد الاستشراق في موسكـو عاصمة (الاتحاد السوفييتي) سابقا، وكان موضوع رسالته "العلاقات السرية بين ألمانيا النازية والحركة الصهيونية " وأتبعها بمجموعة كتب، تبين عناوينها فكره ورؤيته وقراءته للحق التاريخي للشعب الفلسطيني، ولطبيعة الصهيونية العنصرية، باعتبارها مستخدما استعماريا موظفا لسلب هذا الحق لصالح دول وإمبراطوريات استعمارية ومثال على ذلك كتب: "الصهيونيـة بدايـة ونهايـة" و"الاستقطـاب العرقي والديني في إسرائيـل"، و"إسرائيل وجنوب أفريقيا العنصريتان" وهذه على سبيل المثال لا الحصر، حيث كتب الرئيس للتاريخ عشرات الكتب والأبحاث الكاشفة لحقيقة المنظومة الصهيونية والكيان الإسرائيلي، وتفاصيل المؤامرة الدولية بتشعباتها في الدوائر القريبة والبعيدة، الإقليمية والدولية على الشعب الفلسطيني.

عندما يتحدث الرئيس في خطاباته وكتبه وكلماته عن الحصار الاقتصادي والمالي على الشعب الفلسطيني مثلا، فإنه يبعث برسالة لأصحاب رؤوس المال والأعمال للعمل على رفع كفاءة الاقتصاد الفلسطيني وتعزيزه، ليكون القاعدة الأساس للصمود والمواجهة، ولتعزيز قرار التحرر الاقتصادي من قيود منظومة الاحتلال (إسرائيل)، وعندما يتحدث عن جرائمها فهو يفند ادعاءاتها بالديمقراطية، ويسلط الضوء على جريمة دول داعمة لها بلا حدود تسوق إرهاب وعنصرية ودموية إسرائيل على أنها ديمقراطية وحماية للذات! فيمنحنا خطابه جرعة من الثقة بأن الواقعية السياسية تعني إدراك الواقع ومواجهته بالعمل المحمول على الصبر والحكمة، وليس الاستسلام له. فأبو مازن الرئيس القائد المناضل اليوم هو نفسه المناضل الدكتور القائد قبل 40 عامًا.

لذا لا نستغرب تسرع أصحاب أقلام ومحترفي تحليل سياسي – كما يزعمون، وتسوقهم وسائل إعلام مرئية ومكتوبة ومسموعة - إلى حرف وجهة خطابات الرئيس محمود عباس أبو مازن على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو في مناسبات وطنية، أو في اجتماعات قمم عربية ودولية عن مقاصدها ومعانيها الحقيقية، لأنهم منشغلون بإقناع ذواتهم بتفوق قراءاتهم الآنية المعدة سلفا، على قراءات الرئيس أبو مازن الثلاثية الأبعاد: التاريخ والحاضر والمستقبل، فيما هدفهم المكشوف المعلوم تعميم الإحباط واليأس، إلى جانب إبراز الذات التي إذا قيمناها بمعايير أصحاب القلم، والرؤية والقراءة المنطقية والموضوعية، والتنظير التكتيكي والاستراتيجي، فإن أحسن هؤلاء لا يتجاوز مقاعد المرحلة الابتدائية، لكن هذا لا يعني الغفلة عن براعتهم في اصطناع الطوفان الإعلامي، المخزن سلفا، بقصد إغراق الرأي العام بسيول جارفة للمنطق والموضوعية، ومبادئ احترام عقل المتلقي كفروض على معتنقي عقيدة الرسالة السياسية الإعلامية وجبت تأديتها بدرجة عالية من الإيمان بمنهجها، فهذه وشخصيتنا الوطنية وهويتنا الثقافية كيان واحد كالوجه لا يمكن معرفة صاحبه إذا كان جزء منه مغطى أو مموها أو مقنّعا، أو عاكسا لأحاسيس ومشاعر غامضة ليست غير مفهومة وحسب، بل عبثية عدمية !.

ومشكلتهم أنهم يظنون المتلقي سَمَّاعًا، فاقدا لأهلية التفكير، وإدراك ما تلوكه ألسنتهم، وما يعتمل في نفوسهم الناطقة باسم العاملين على سلب ورقة الحق الفلسطيني من يد أصحابها الشرعيين التاريخيين، للسمسرة عليها واستغلالها.

mat
Developed by: MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024