الرئيسة/  مقالات وتحليلات

عبد الله أبو شرخ.. وداعا

نشر بتاريخ: 2022-09-20 الساعة: 14:18

 

أنور رجب


إنه المثقف والمفكر والكاتب والمربي والأستاذ وكلمة الحق والناشط السياسي والفنان والطفل، هكذا نعاه ورثاه اصدقاؤه ومحبوه ومتابعوه، من اختلف معه ومن اتفق، وهكذا هو. نعم، كان عبد الله مثقفاً من نوع مختلف، أبحر وتعمق في القراءة واستزاد ونهل من كافة العلوم الانسانية والاجتماعية، في الفكر والأيدلوجيا والنظريات والأديان والعلوم والفنون والاقتصاد والسياسية، وكتب بشغف وحماس وعبر عن آرائه بكل جرأة وشجاعة، وانحاز في كتاباته للمقهورين والفقراء ولمعاناة ابناء شعبه وقضاياه العادلة، لم يرهن قلمه لحزب أو أيديولوجيا أو حاكم، ودفع ثمنا باهظاً في سبيل ذلك من اعتقال وملاحقة وضغوط مارستها ضده أجهزة وميليشيات حماس في قطاع غزة.

انتقد عبد الله كمفكر حال الأمة العربية، وما وصلت إليه من تخلف جعلها في آخر الأمم، فانتقد النظام التعليمي والصحي ورجعية الانظمة وغياب الحريات وحقوق الانسان، وكرس جل كتاباته لكشف زيف ودجل الرجعية الدينية وجماعات الاسلام السياسي وتجارتها بالدين والسياسة. وبوصفه مدرساً لمادة الرياضيات التي سجل فيها تفوقاً وتميزاً منذ كان طالباً في جامعة بيرزيت، التي ساهمت بشكل كبير في صقل شخصيته وتبلور هويته الفكرية والوطنية بعد أن زرعت معاناة اللاجئ فيه بذور الانتماء للأرض والقضية، فقد كان مهموماً بواقع التعليم وتربية الأجيال خاصة في قطاع غزة.

بالرغم من موقفه الناقد بشدة للواقع الفلسطيني والأحزاب والحركات السياسية الفلسطينية وما آلت اليه الأمور على الصعيد الداخلي، فقد كان يمتلك رؤيته وموقفه السياسي النابع من قناعاته الحرة، فكان منذ البدايات ضد الانقلاب وحذر من تداعياته على مستقبل القضية الفلسطينية، وكان مؤمناً بضرورة التمسك والحفاظ على م.ت.ف ورفض كل البدائل المطروحة سواء من قبل الاحتلال أو من قبل القوى الظلامية ومن يقف خلفها، ولم يخف قناعته وايمانه برؤية واستراتيجية فخامة الرئيس ابو مازن وإدارته للصراع مع الاحتلال، وكتب حول ذلك ودافع وأصل وطنياً ومعرفياً لتلك الرؤية، كما كتب وأصل لرؤية الدولة الواحدة بعد أن تيقن أنه لا أفق لحل الدوليتن، ورأى في ذلك سلاحاً فاعلاً يجب اشهاره فلسطينياً كأداة من أدوات النضال السلمي لفرض حل الدولتين، وهو يدرك تماماً تأثير الديموغرافيا في العقلية الصهيونية وكم تشكل كابوساً يقض مضاجعهم.

كانت وسائل التواصل الاجتماعي الساحة المركزية التي يلجأ اليها ليعبر من خلالها عن مواقفه المساندة والداعمة لهموم شعبه وقضاياه، وانحيازه للمظلومين والمقهورين والفقراء خاصة شريحة الشباب في قطاع غزة، والتي كانت ترى فيه أباً روحياً يلجؤون إليه وقت الشدة والضيق وللتفاكر معه في الشأن العام وقضاياهم وهمومهم، وهو بدوره كان مرحباً سعيداً بذلك يحاول التخفيف عنهم من خلال العزف على آلة العود وترديد أغاني الشيخ امام ومارسيل خليفة وفيروز. وليس هذا وحسب بل كان ملهماً وداعماً لهم في تمردهم على الواقع الكارثي الذي يعيشه قطاع غزة، وكان منظراً ومشاركاً لهم في نشاطهم وحراكهم الشعبي السلمي ضد حكومة الأمر الواقع وما أفرزته من أوضاع مأساوية ومشاكل معقدة ومركبة يعاني منها اهلنا في القطاع بفعل سياساتها المراهقة والعبثية والقمعية.

لم ترق كتابات ومواقف عبد الله ابو شرخ لحكومة الأمر الواقع وأجهزتها الأمنية وميليشياتها الظلامية، فتربصوا به وأطلقوا عليه ذبابهم الإلكتروني وغلمانهم ليهاجموه ويشتموه لعله يتراجع ويتوقف، وعندما ضاقوا به ذرعاً اعتقلوه وأهانوه أكثر من مرة دون مراعاة لسنه أو لمكانته الاجتماعية كان آخرها في شهر مارس 2020 حيث مكث شهراً في سجون الامن الداخلي، ولم يثنه ذلك كله عن الاستمرار في قول كلمة الحق ومناصرة المواطن المغلوب على أمره والمطالبة بحقوقه وفي مقدمتها حرية التعبير عن الرأي وحقه في لقمة العيش وحياة كريمة وأمل في مستقبل أفضل. لم تكن الكلمة سلاحه الوحيد فقد أضاف إليها القصيدة والأغنية والموسيقى، وكانت قصيدة غزة بتموت التي صاغ كلماتها ولحنها إلى أغنية رددها بصوته وعزفها بآلة العود خاصته لتكون واحدة من ابداعات عبد الله أبو شرخ التي شكلت إرثاً له سيبقى حاضراً في الذاكرة الوطنية الفلسطينية. رحمه الله وأحسن مثواه.

    

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024