الرئيسة/  مقالات وتحليلات

لا تشفق ….. المسافة بين التقرير الطبي للأسير ناصر أبو حميد وتقرير الأمنستي

نشر بتاريخ: 2022-02-19 الساعة: 21:11


بقلم : عيسى قراقع

في المؤتمر الشعبي لنصرة الاسرى في سجون الاحتلال الذي عقد في قاعة الهلال الأحمر في البيرة ‏يوم 9/2/2022، وزع علينا التقرير الطبي عن حالة الأسير المريض بالسرطان ناصر أبو حميد بعد أن ‏قرأه شقيقه ناجي بصوت مرتعش يفيض بالحزن والغليان . ‏
‏ التقرير أعده البروفيسور ميخال لوطم المتخصصة في قسم علم الدم والسرطان في جامعة ستانفورد ‏في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية، يثير الغثيان والخوف ، لم يقل التقرير ان الاسير ناصر ‏سوف ينهض من السرير، تقرير يحقنك بإبرة التخدير لتعيش في السكون والاندهاش، تقرير يجعلك ‏تلتصق في السرير، انتظار أن لا يسبب العلاج الكيماوي تلف الاعصاب وانخفاض تعداد الدم للأسير ‏ناصر، انتظار ان هذا السرطان الحرشفي قد لا يمتد في جسده أكثر، انتظار الا تضطرب وظائف الرئة ‏كي يستطيع أن يتنفس بلا أجهزة اصطناعية، انتظار أن يتغير زمن البقاء على قيد الحياة من سنة الى ‏خمس سنوات وأكثر وأكثر، أن يشفى ويعود الى أمه الصابرة . ‏
هذا التقرير يوتر الاعصاب، يتحرك مع ناصر من مستشفى إلى مستشفى، ومن علاج إلى علاج، ‏التقرير شهادة مرافقة للأسير ناصر أمام المحاكم الدولية والرأي العام ، التقرير تزداد صفحاته وتتقلص ‏كلماته كل يوم، الأعصاب تتوتر أكثر، التوقعات مخنوقة ، التقرير مليء بالدم والسعال والقلق، يرتجف ‏في يد ناجي ابو حميد شقيق ناصر، يبكي أمام الجمهور، التقرير صار سردية طويلة تقرأ في صفحاته ‏عن مئات الحالات المرضية في السجون التي التصقت بالسرير والجدار ولم تنهض أبداً، التقرير ‏يتحدث عن أسماء اسرى أحياء ويشطب أسماء أسرى غادروا الحياة . ‏
‏ التقرير الطبي تفوح منه رائحة جريمة منظمة تجري في اقبية الظلام، صفحاته بيضاء وسطوره تذوب ‏شيئاً فشيئاً، صفراء أحياناً ومنقوعة بالدم الاسود المحتقن احياناً أخرى، وفي ختام التقرير تقرأ: ‏
السيد ناصر مصاب بسرطان الرئة وتوقع كبير بموته بسبب مرضه في الوقت القريب، وفي هذا الختام ‏تفرق الحشد الشعبي وغادروا القاعة، الكل يقيس المسافة بين القريب والبعيد في كلمات التقرير، الكل ‏وضع يده على صدره، الجميع خرج ولكن لا يعرفون إلى اين …‏
آلاف التقارير الطبية وثقت حالات الأسرى المرضى وسياسة الاهمال الطبي المتعمد واستهتار سلطات ‏الاحتلال بحياة الاسرى وعدم تقديم العلاج اللازم لهم، هذه التقارير المكدسة رفعت الى جميع مؤسسات ‏حقوق الانسان بالعالم والى لجان الأمم المتحدة، لم يأت احد، ربما لم يقرأ أحد، وفي المرة الوحيدة اليتيمة ‏التي وصلت فيها لجنة تقصي حقائق كانت عام 2014 من قبل البرلمان الاوروبي على أثر استشهاد ‏الاسير عرفات جرادات، جرى طرد اللجنة من قبل سلطات الاحتلال ولم يتم التعاون معها، لقد اقفل ‏الملف مصحوبا بالاستياء والاستنكار العاطفي . ‏
التقرير الطبي عن حالة الاسير ناصر أبو حميد يقول: ان اطباء السجون ومن يقف وراءهم خانوا القسم ‏الطبي العالمي، واصبحوا جلادين في زي أطباء، مشاركين في الجرائم الطبية المستمرة، أو صامتين عن ‏سياسة القتل البطيء للأسرى ومشاركين في عملية التعذيب الجسدي والنفسي، ومكملين لأدوار المحققين ‏وسياسة القمع المنظم بحق المعتقلين
‏ التقرير الطبي لناصر ابو حميد يشخص حالة الشعب الفلسطيني تحت نير الاحتلال، العلاج الكيماوي ‏الذي يستخدمه المحتل بحق كل فلسطيني، تدمير الخلايا والعقل والفكر والتطلعات الفلسطينية، تقليص ‏الصراع الذي يدعون اليه هو تقليص الاحلام والجغرافيا وتلاشيها بعد زرع امراض الاستيطان والنهب ‏والسلب والقهر ونشرها من البحر الى النهر في نفوس الشعب الفلسطيني . ‏
التقرير الطبي عن حالة الأسير ناصر أبو حميد يثير الغثيان، كابوس هناك في السجن المحصن ‏بالأسوار وأدوات البطش الرهيبة، وهنا أمام الحواجز والاقتحامات والإعدامات الميدانية، تجفيف حياة ‏البشر، كل شيء بأيدي المستعمرين: الاقتصاد والحركة والهواء والدواء والفضاء، يزحفون استيطاناً وقتلاً، ‏يزحفون إلى البحر وإلى أخر خيمة لبدو النقب في الصحراء، يزحفون إلى القدس والشيخ جراح والأحياء، ‏يهدمون ويطردون ويجرفون ويعتقلون ويمارسون طقوسهم وعربداتهم الشيطانية في كل مكان.‏

التقرير الطبي عن حالة الأسير ناصر أبو حميد يكشف مدى عجز نقابة الأطباء العالمية والموقعين ‏على الإعلان العالمي لحقوق الأنسان وكافة المواثيق الدولية، جميعهم لم يستطيعوا إنقاذ الضحيّة وإنقاذ ‏أخلاقيات المهنة الطبيّة، لقد ترك الأسرى خلف السياج يموتون ببطء، الشريعة الاستعمارية تهيمن على ‏شريعة حقوق الأنسان، التقرير لم يحرك أحداً سوى خشبة الموت على أكتاف الحائرين .‏
التقرير الطبي عن حالة ناصر أبو حميد يثير الغثيان، انه يعلن أن الصهيونية تفترس البلاد والأشلاء، ‏وأنه لم يعد هناك وقت للعلوم والإنسانيات وشعارات السلام، الأسير يصارع الموت ، كوابيس الأسرى ‏المرضى المشلولين والمعاقين والمصابين لم تعد تحميها المسكنات والعكازات والشعارات، البلاد تنهشها ‏الوحوش الجائعة ، البلاد تحولت إلى معسكرات اعتقال جماعية، نحن في بطن الوحش، سرطان ‏الاحتلال المزروع في جسد ناصر ابو حميد يتفشى في أجسادنا، يدمر لغتنا وثقافتنا وأدياننا وأنظمتنا ‏الاجتماعية ، يفترس أرواحنا وأجسادنا قبل وصول الآلهة . ‏
التقرير الطبي عن حالة الأسير ناصر أبو حميد يرد على تقرير منظمة العفو الدولية (أمنستي ) الذي ‏نشر يوم ١/٢/٢٠٢٢ ويتهم إسرائيل بارتكاب جريمة الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني ( ‏الابرتهايد ) من البحر إلى النهر، داعياً إلى تفكيك هذا النظام ليحل السلام في المنطقة، جسد ناصر ‏أبو حميد هو جسد الشعب الفلسطيني أرضاً وتاريخاً وحضارة ووجودا، لا ينفذ عليه صراع عرقي فقط ‏لنطالب بإصلاح النظام الإسرائيلي وبالحقوق المتساوية، إنه صراع إبادة وتطهير قومي، مشروع احلالي ‏مركب من السيطرة والإستعمار والكولونالية والعنصرية، فحق تقرير المصير حسب قانون القومية ‏الإسرائيلي محصور فقط لليهود، الحق في الوجود والحياة لهم وحدهم، نحن لسنا فقط بحاجة للتصاريح ‏وحرية التنقل بقدر ما نحن بحاجة الى حق تقرير المصير وزوال الاحتلال، فأمراض الاحتلال المؤقتة ‏صارت دائمة ومرسخة .‏
التقرير الطبي عن حالة ناصر ابو حميد يقول: أن السجن الاسرائيلي هو قبر لكل المقاومين والاحرار، ‏الاسرى يقبرون في امراضهم المزمنة وفي مؤبداتهم المفتوحة على اعماق النسيان، أنهم في جرف يؤدي ‏الى الهاوية، السجن الصهيوني صمم من اجل الابادة الجسدية والثقافية والوطنية، وتمتد الابادة وجدانياً ‏ومادياً الى خارجه لتقيم نظام السيطرة والهيمنة على حياة ملايين الفلسطينيين، وهذا هو جوهر المشروع ‏الصهيوني واهدافه الكولونيالية . ‏
هناك مسافة بين التقرير الطبي حول صحة الأسير ناصر أبو حميد وتقرير منظمة الامنستي، مسافة ‏في المفاهيم والمفردات المتوارية، تقرير الامنستي هو وردة على قيد، لم ينزع المرض الخبيث في الجسد ‏المقيد، في حين ان التقرير الطبي عن حالة ناصر أبو حميد يقول: لا تستبدلوا كلمات الاحتلال ‏والاستعمار بالابرتهايد، الحالة مختلفة، لا تستبدلوا خطاب الحرية والانعتاق بخطاب الحقوق المتساوية، ‏لا تشرعنوا الكيان الاستعماري الصهيوني الذي قام على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية ‏والتاريخية، نحن نموت كل يوم، نحن في معازل ضيقة، بلا هوية وبلا جنسية، انهم يرفعون فوق ‏رؤوسنا البنادق ويهتفون بشعار التوراة (لا تشفق) صارخين: أبد سكان كنعان ولا تشفق عليهم، اقطع ‏حناجرهم، اذبحهم جميعاً رجالاً ونساءً، وشيوخاً واطفالاً وبهائم، ليتمجد الرب بذلك .‏
الاسير ناصر ابو حميد في قبضة المرض والسجان، هو بحاجة الى الحرية والحياة والكرامة الانسانية، ‏هو في قبضة النازيون الجدد، هو لا ينتفس، لا يتحرك، انه يتلاشى، لا يوجد وقت، انتهى التقرير، ‏توقف التشخيص، ارتاح ضمير العالم كثيرا بعد تقرير الامنستي، والان يعدون لنا خطاباً مؤثراً للرثاء.‏
تقرير الامنستي وكافة التقارير الدولية لم تفرج عن اسير مريض يصارع الموت، انها تثير الغثيان، هي ‏تعرف اننا نموت كل يوم، ولكنها لا تحمي الحياة، هي تعرف أن إسرائيل كدولة مستعمرة ومحتلة ‏تتصرف بعنجهية فوق القانون الدولي، لكنها لا تحاسب ولا تلاحق وتتوارى خلق اللغة السحرية، هي ‏تعرف أن الكيان الصهيوني يصب كل هواجسه وهلوساته وخرافاته فوق رأس الشعب الفلسطيني ولكنها ‏تمده بالدعم والاسلحة.‏

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024