الرئيسة/  مقالات وتحليلات

مبادرة .. أمهات من أجل السلم الأهلي

نشر بتاريخ: 2022-02-18 الساعة: 00:12

 

 موفق مطر

 

ماذا لو تبنت عضوات في المجلس الوطني الفلسطيني فكرة إطلاق مبادرة لتعزيز السلم الأهلي، عبر الدعوة والعمل مباشرة على الأرض لإيقاف اقتتال العائلات في أي مكان في الوطن، مبادرة موجهة نحو الأمهات والزوجات والأخوات باعتبارهن الضحايا، فالأم ينشطر كبدها عندما يقتل ابنها، وكذلك الزوجة التي تفقد رب العائلة، ومثلهما البنت التي تتجرع لوعة فقدان شقيقها أو أبيها.. أما الرجال فمهما بلغ تأثرهم العاطفي، فإن التفكير في سبل الانتقام والثأر، وإظهار صور الرجولة– حسب المفاهيم الاجتماعية– فإنها طاغية، يصعب عليهم التفكير بتغليب فكرة الانتصار لمبادئ وقيم السلم المجتمعي، والامتثال للحكمة وعدالة القانون، ونعتقد أن واحدا في مجتمعنا لا يستطيع نكران تأصل عادات وتقاليد الجاهلية، ووجودها بنسب ما في مجتمعنا، رغم مظاهر وادعاءات الالتزام بتعاليم الدين الحنيف، رغم محاولات البعض تسويق أنفسهم كشخصيات منسجمة مع المفاهيم  والسلوكيات الاجتماعية الحضارية.  

نعتقد أن اقتتال العائلات والتعصب الجهوي وصفة سحرية لنخر جذع شجرة العائلة الوطنية  للشعب الفلسطيني، واهتراء جذورها ومواتها إلى الأبد، وفي صورة أخرى الوسيلة الأسرع لإحراق النسيج الاجتماعي، وصفة ليست قاتلة وحسب بل مبيدة، لا مجال فيها للخطأ، فهذه أشد فتكا في جسم الشعب من كل الأسلحة النارية المعروفة لدى منظومة الاحتلال الإسرائيلي العنصرية التي تغذيها وتؤجج نيرانها كلما انطفأت، فتدمير ركائز السلم الأهلي لدى الشعب الفلسطيني يسهل على المنظومة كسر إرادة الشعب الفلسطيني، بعد تحويل قدرات شبابه ورجاله وأسلحتهم إلى ميادين صراع داخلية تدمي قلوب مجتمعاتنا، لكنها في الوقت نفسه تدر دموع فرح في عيون ساسة سلطة الاحتلال الإسرائيلي وقادتها الأمنيين إثر كل اشتباك أو اقتتال يرون فيه مئات البنادق في أيدي شباب ورجال فلسطينيين يوجهونها نحو صدور أشقائهم في العائلة الوطنية.

 قد يقول قائل إن المرأة (الأم والزوجة والأخت والبنت) في مجتمعاتنا ضعيفة لا تملك قدرة التأثير على قرار الرجال الذين يميلون لترجيح كفة العنف بكل أشكاله على حساب كفة العاطفة العاقلة، أو ما نسميها العقل العطوف الرحيم، وقد يكون هذا التقدير صحيحا نسبيا، لكن لا يجوز التسليم بهذا الواقع، خاصة وأن اعتزازنا وفخرنا بمكانة المرأة الفلسطينية ودورها العظيم في التنشئة نستطيع أخذهما حجة على الرجال، ناهيك عن قدرة المرأة (الأم والزوج والأخت والبنت) في كبح جماح عجلة (الانفعال الرجولي الذكوري) التي ما كانت نتائجها إلا كارثية بغض النظر عن رقم الأرواح التي أزهقت والدماء التي سفكت وأريقت، وحجم الخسائر المادية التي تكلف في كثير منها جني عقود من العمل بكد وتعب، فتصير في حمأة الاقتتال والشجارات العائلية المسلحة رمادا.  

نعتقد أن الأخوات المناضلات في إطار المجلس الوطني اللواتي يتميزن بتفكير منسجم مع مبادئ حركة التحرر الوطني الفلسطيني، وبحرصهن على السلم الأهلي، ولا يفرقن بين فلسطيني وآخر، ولا ينظرن إلى انتمائه السياسي أو الديني  أو إلى شريحته الاجتماعية، أعتقد أنهن الأقدر على إطلاق هذه المبادرة، والعمل على تشكيل خلية عمل تنزل إلى الأرض، فتجمع ما بين أمهات ضحايا الاقتتال  العائلي، فتهدأ النفوس وتساعد الأمهات أو الزوجات على تحويل الآلام إلى آمال بغد أفضل من أجل الأطفال الأبناء، الذين سيستحيل عليهم الانسجام مع ظروف وواقع الحياة في ظل واقع خوف ورعب داخلي، يضاف إلى خوف ورعب أصلي ينتجه إرهاب وجرائم الاحتلال يوميا وبكثافة.

لابد من تجريب تأثير قلوب وعواطف الأمهات والزوجات والبنات على الآباء والأزواج والأشقاء، فقد تكون النتيجة أكثر من المتوقعة ولكن شرط المساندة اللامحدودة من الرجال العقلاء الذين يزخر مجتمعنا بهم ونفخر بمساهماتهم في إحلال السلم الأهلي مكان الاقتتال العائلي، وإحلال الحوار والاحتكام للقضاء ولسلطة القانون التي تقر إرادتها وأحكامها باسم الشعب بدل الاحتكام للسلاح وسلطة العائلات والعشائر إن أردنا بناء دولة تليق بتضحيات الشعب الفلسطيني.

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024