الرئيسة/  مقالات وتحليلات

"أنتم أصحاب القرار"

نشر بتاريخ: 2022-02-08 الساعة: 20:20

 

 

موفق مطر


وحدها اللحظات المصيرية التاريخية في زمن النضال الوطني كاشفة عن معادن الرجال في مواقع المسؤولية والقرار، فتحت دائرتها المركزة يتبين لنا المؤمن بالقضايا الوطنية، والعارف بمعنى المسؤولية وتفرز بعيدا عنه  المدعي، الذي يشبع الفضاء ضجيجا بالشعارات العبثية، والمواقف الجوفاء.

يختار المرء مواقفه وهو حر، لكنه عندما يمثل شريحة أو فئة أو جمهورا مهما كان رقمه فإنه ليس حرا في قرار التحلل من المسؤولية التاريخية ، أو التخلي أو التراجع أو التردد، فاللحظة المصيرية لا تحتمل التأرجح، ولا تنتظر أصحاب المواقف الصاعد والهابط خطها البياني، فالقيادة  تعني الشجاعة  المقرونة بالصدق والإخلاص والصلابة والحكمة والقدرة على الحوار والإقناع، والرؤية  الثاقبة بعيدة المدى، والحرية أيضا في اتخاذ القرار تحت تأثير المصالح العليا للشعب فقط، وما دون ذلك فلنبحث في طيات دماغه عن التأثيرات الشخصية والذاتية النفعية أو الخارجية.

 لا تنفع التنظيرات الطوباوية، ولا البيانات والخطابات النارية عند الخط الفاصل بين الواقع والمأمول، فهنا السيادة للحكمة والعقلانية، والكلمة الفصل المرفوعة على المبادئ والثوابت، وللقرار الجمعي عندما يتعلق الأمر بمصير شعب وأرض ووطن وحق تاريخي وتقرير مصير، فلا يجتازه إلا الشجعان  الواثقون بقدرتهم على خط صفحات مجيدة في كتاب التاريخ، تبقى حية، تتداولها الأجيال بحرارة أحداثها و حيثياتها ونتائجها، أما المترددون فإنهم عن قصد أو دونه يردون بأنفسهم  إلى قاع متحجر متجمد صقيع لا تحيا فيه فكرة ولا ينمو فيه رأي.

قال الرئيس محمود عباس في كلمة بمثابة (وثيقة تاريخية) في افتتاح المجلس المركزي الفلسطيني أول أمس الأحد: "نحن أصحاب حق وإذا فرطنا به فسنذهب جميعا إلى مزابل التاريخ" فهل من معنى عاكس لمعنى المسؤولية والقيادة أحسن من هذا ؟! وهل من سلاح بفاعلية أشد وأمضى وأقوى من القرار الناتج عن بحث ودراسة متعقلة يأتي من المخولين بصياغته، فهؤلاء يرتقون إلى مستوى المسؤولية لأن أفكارهم نتاج عقلهم الوحدوي الوطني، ورؤيتهم شاملة، لأنهم لم يحشروا أنفسهم في أضيق حيز وهو النظرة الحزبية  الفئوية الخانقة لأي مناضل في الحياة السياسية، فالتحرر من عقدة  الانتماء للجماعة أو الفئة أو الحزب أو الفصيل في اللحظات التاريخية  المصيرية هو السبيل الأقصر والأوسع بلا حدود للوصول إلى الحرية، لذلك خاطب الرئيس أعضاء المجلس المركزي قائلا: "أنتم أصحاب القرار في النظر في العلاقة مع دولة الاحتلال" وقال أيضا "هاتوا قرارات 2018 لتطبيقها حسب ما تقتضيه المصالح العليا لشعبنا، والعبرة في كيفية تطبيقها..يجب النظر بخياراتنا، فلا يمكن لأحد في الدنيا إلقاء مسؤولية تدمير عملية السلام علينا، بعد تجاوبنا إلى أبعد مدى مع المجتمع الدولي وأوفينا بالتزاماتنا"  .

نعتقد أن المتشبثين باستقلالية القرار الوطني الفلسطيني  يدركون جيدا معنى منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فهذه العبارة ليست شعارا سياسيا، أو لافتة يمكن رفعها وإنزالها عند الحاجة، ذلك أنها "أمر مقدس" كما قال الرئيس لأعضاء المركزي، لأنها تعني الكيانية السياسية للشعب الفلسطيني،  والمساس بها يعني المساس بمئات آلاف الشهداء والأسرى والجرحى، ويعني المساس بوجود الشعب الفلسطيني على الخريطة السياسية  الدولية، أما العمل على تطويرها والحفاظ على إنجازاتها، فهذا يعني  الحفاظ على هوية الشعب الفلسطيني الوطنية العربية الإنسانية وقراره المستقل المؤدي حتما إلى السيادة التي نقصدها ونناضل من أجل تجسيدها بعد انتزاع الحرية والاستقلال، لذا قال الرئيس بكل وضوح وصراحة  وشجاعة: "عيب وعار على أي فلسطيني يقول لا أعترف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني".

سنركز في مقالنا القادم الضوء على معاني وأبعاد كلمة الرئيس التاريخية أمام المجلس المركزي. 

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024