الرئيسة/  مقالات وتحليلات

تدمير مقبرة مأمن الله.. تدمير للقيم الإنسانية

نشر بتاريخ: 2021-10-13 الساعة: 15:42

باسم برهوم


جغرافيا الشطر الغربي من القدس، والمقصود الأحياء التي بناها وسكنها الفلسطينيون قبل أن يجتاحهم وباء الصهيونية وقبل نكبة عام 1948، لا تزال موجودة صامدة، ولكن الفرق أن من يسكنها ليس أصحابها الأصليون والحقيقيون إنما هم غزاة جاءوا من مختلف بقاع الأرض. أحياؤنا في غرب القدس هي: عين كارم، والقطمون، والطالبية, والبقعة، لفتا- شارع يافا، والمالحة وماميلا، والحي اليوناني، الذي بنته بطريركية الروم الأرثوذكس، وسكنه الفلسطينيون من مسيحيين ومسلمين، والحي الألماني وغيرها، من يتجول في شطر قلب الفلسطينيين الغربي، فإن كل حجر في كل منزل، أكان بسيطا أو قصرا، فإن أيدي فلسطينية هي من شيده، وأسرة فلسطينية سكنته، ولو كان بمقدور هذا الحجر أن يحكي، لقال للغزاة كلمة واحدة "ارحلوا"، لأن وجودكم يرهقني ولا أفهم لغتكم.

 وعلى تلة تبعد كيلو مترا أو أكثر قليلا عن أسوار القدس القديمة اختار العرب المرافقون لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، في رحلته للقدس لتوقيع ما بات يعرف بالعهدة العمرية، وهو أول اتفاق محبة وسلام وتسامح حقيقي بين الأديان، اختاروا تلا في المدينة المقدسة موقعا لمقبرة لهم، ومنذ ذلك التاريخ أطلق عليها المقبرة الإسلامية، وفي العصر المملوكي أصبح اسمها "مقبرة مأمن الله". هذه المقبرة، المدفون فيها أجداد وآباء العرب الفلسطينيون المقدسيون وغيرهم حافظت على وجودها في كل العصور، حتى إبان الحملات والدويلات الصليبية.

 جرافات التهويد الصهيوني بدأت منذ النكبة تقضم المقبرة قبرا قبرا، وتطحن رفات الموتى وتنهب أرض المقبرة، البالغة مساحتها 200 دونم، تنهبها تدريجيا تحت مسميات مختلفة، واليوم تحاول سلطة الغزاة الإجهاز عليها كليا بحجة بناء متحف "التسامح"، أي تسامح هذا الذي يشيد فوق أضرحة الموتى...!!! إنه متحف "الحقد والكراهية" ولا يمكن أن يكون له اسم آخر.

في المرات الأخيرة التي مشيت فيها في شوارع القدس الغربية، كنت أمر بالشارع المحاذي لمقبرة مأمن الله، كنت أشعر بحزن للحصار والإهمال المفروض عليها، أنظر للقبور وأحاول أن أنسج قصة التاريخ الذي يزيد عمره عن 1400 سنة. التهويد بمجمله هو التعبير الأكثر قسوة لاجتياح الغزاة للوطن، أما تهويد المقابر فهو التعبير الأكثر حقدا على تاريخ الأمم والشعوب، إنه فعل إجرامي، لأن قتل الموتى هو أكثر فظاعة من قتل الأحياء لأنه من المفترض أن يرقد هؤلاء بسلام وأن يتمتعوا باحترام الأحياء لهم.

ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي هو استخفاف مريع بالقيم الإنسانية وتدمير لها، إن أي اعتداء على المقابر حتى بكتابة الشعارات العنصرية هو فعل مدان من أي جهة جاء، فما بالكم بنبش القبور وتدميرها، وتهويد مقبرة والاستيلاء على أرض الموتى... السؤال ماذا لو نبشت إسرائيل مقبرة للجنود البريطانيين أو الألمان هل كان العالم سيصمت كما يسكت اليوم عن مقبرة فلسطينية؟

ولكن قبل أن نلوم الآخرين لماذا هذا الصمت العربي والإسلامي؟ أيهون عليكم ما يجري لمقبرة مأمن الله..؟؟؟

لقد مر على القدس وفلسطين عشرات الغزاة عبر التاريخ وجميعهم رحلوا وبقيت فلسطين والقدس، الغزاة الحاليون لن يكون مصيرهم أفضل وعند رحيلهم سنحتفظ لهم بسطر واحد مكتوب بالدم من تاريخ بلادنا.

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024