الرئيسة/  مقالات وتحليلات

لماذا تنزعج سلطة حماس من الكوفية؟

نشر بتاريخ: 2021-09-28 الساعة: 10:29

 

حسن سليم


لم يأت موقف سلطة حماس بمنع ارتداء الكوفيه داخل أسوار جامعة الأزهر مخالفا لموقفها من كثير من الرموز الوطنية الفلسطينية، بل هو ذات الموقف الذي طالما جاهرت بالتعبير عنه صراحة بلا خجل تجاه عديد القضايا الوطنية، باعتبار أن ما تقوم به بمثابة التصحيح لمسارها، وما تقرره من مفاهيم يجب أن يكون المغذي للثقافة الواجب التذوت بها، في ظل الإمارة التي تحكم.  
فجماعة الاخوان المسلمين التي تتفرع عنها حركة حماس، لم تكن منذ التأسيس جماعة تقبل بالشراكة مع الآخر، أو حتى تقبل الآخر، بل ترى في نفسها دوما الجماعة صاحبة الرأي الصواب الواجب اتباعه، وغيره خطأ يجب هدمه.
وفي الحالة الفلسطينية، ومنذ تأسيس حركة حماس، كان السعي دوما من خلال التخفي في عباءة الدين، وبيع الوهم بأنها قامت من أجل تحرير فلسطين من الاحتلال، دون أن يكون لها مطامع في الحكم، أو جزء من النظام السياسية، بذريعة أنها ترفض نهج التفاوض وما يقوم على أساسه، وذلك كان قبل أن يتغير الحال، ويصبح  "اوسلو الملعون" جسرا حلالا، ومن "الضرورات التي تبيح المحظورات" لتعبر من خلاله، لتصل إلى سدة الحكم.
ولما كان فكر حماس لا يؤمن بتداول السلطة، واحترام الدولة، كمؤسسات ودستور ناظم لسلطاتها، وحقوق الأفراد وحرياته، وما وجدت من إرث حضاري وثقافي، بادرت منذ أن استولت على السلطة بانقلابها المشؤوم في حزيران 2007، لكي الوعي الفلسطيني، وهدم معالم أمكنة كانت تمثل تاريخا في حياة القضية الفلسطينية، وتغيير أسماء مؤسسات وشوارع، وفرض نظام حياة كان ولا زال مخالفا للموروث الاجتماعي والوطني، وليس آخره منع طلبة جامعة الأزهر من ارتداء الكوفية داخل أسوارها، وانتهاك حرمة الجامعة، والاعتداء على الطلبة.
ففي العام 2015 بدأت سلطة حماس بتغيير أسماء مدارس في قطاع غزة كانت تحمل أسماء قادة وشهداء عظام، وكانت بدايتها باستبدال اسم مدرسة "الشهيد غسان كنفاني"، الواقعة في مدينة رفح جنوب القطاع، الذي يمثل أحد من صاغوا الهوية الوطنية وساهم في تطوير ملامحها، وما قدمه من نصوص أدبية صارت جزءا من التراث الوطني الفلسطيني والإرث المعرفي العربي والعالمي، باسم جديد يحمل اسم "مرمرة"، تلاها بعد عامين بإزالة اسم أمير الشهداء خليل الوزير "أبو جهاد" مهندس الانتفاضة وأحد أبرز قادة العمل الفدائي، عن مدرسة تقع غرب مدينة غزة لتستبدله باسم مدرسة حسن الحرازين، ثم تغيير شكل الجندي المجهول وبندقيته إلى أشكال هندسية.
وحتى العَلم الذي سقط من أجل أن يبقى عاليا خفاقا لم يسلم من الإساءة، فوصفه محمود الزهار "بالخرقة" وبأنه لا معنى ولا قيمة له، في وقت كانت عيون العالم مجتمعة تتطلع كيف سيتم رفعه فوق مبنى الأمم المتحدة كباقي دول العالم، وذلك لم يكن مستهجنا، إذا ما علمنا أنه امتداد للفكر والمنهج الذي يجمع مكونات الجماعة وفروعها، الذي لا يؤمن بالوطنية، ولا يرى في الوطن مكانا مقدسا، بل يقدس مصلحة الجماعة، ولهذا كان قد تجرأ من قبل الزهار مرشد الجماعة وقال "طز في مصر".
إن ما سبق ليس أكثر من سرد يسير لممارسات ممنهجة من قبل سلطة حماس التي لا ترى في المساس بالرموز الوطنية أمرا محرما، وذلك يعود لما تعتنق من فكر لا يؤمن أساسا كما أشرنا بالوطنية، ولا يرى في الوطن غير مكان لتطبيق منهج الجماعة التي تنتمي إليها ورضى المرشد، ولهذا تحارب كل ما تجده خلافا لذلك، ومنها الكوفية ذات الدلالة على الكفاح الوطني، والتضحيات الجسام التي روت ثرى فلسطين، حتى قبل ميلاد الجماعة.
ولهذا فإن ما تجهله سلطة حماس، أو لا تريد أن تعلمه، أن الكوفية التي تمت الإساءة لها بحظر ارتدائها، والاعتداء على من توشح بها، ليست مجرد قطعة قماش، بل رمز وطني يدلل على كفاح معمد بالدم من مختلف أطياف الشعب السياسية، وليس لحركة أو فصيل، وكان الأولى أن تكون جزءا من المعتزين بها، لا أن تتساوق مع من بذل الغالي والنفيس لإخفائها، ولم ينجح.

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024