الرئيسة/  مقالات وتحليلات

قراءة في خطاب الرئيس.. فلسطين التاريخية (ج1)

نشر بتاريخ: 2021-09-26 الساعة: 13:02

 

موفق مطر


ما بين قول سيادته في بداية خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي: "أنا وعائلتي ومثلُنا الكثير لديْنا صكوكُ ملكيةٍ للأرضِ التي طرد نصف شعبنا منها قبل 73 عاما وهي موثقةٌ في سجلاتِ الأممِ المتحدة"، وقوله في متن الخطاب: "وفي حالِ مواصلةِ سلطاتِ الاحتلالِ الإسرائيليِ تكريسَ واقعِ الدولةِ العنصريةِ الواحدة، كما يَجري اليوم، فإنَّ شعبَنا الفلسطيني والعالمَ بأسرِه، لنْ يقبلَ بذلك، وسَتفرِضُ المعطياتُ والتطوراتُ على الأرضِ الحقوقَ السياسيةَ الكاملةَ والمتساويةَ للجميع على أرض فلسطين التاريخية في دولةٍ واحدة"- يكون الرئيس محمود عباس ابو مازن قد وضع العناوين الواضحة والصريحة للمرحلة الجديدة من الصراع الوجودي وتحديدا على ارض فلسطين ما بين الشعب الفلسطيني ومنظومة الاحتلال الاستعماري العنصري الاسرائيلي، التي ستنطلق بعد عام واحد وهو الموعد الذي حدده الرئيس كسقف زمني لانسحاب "سلطة الاحتلال من الأراضي الفلسطينيةِ المحتلةِ منذُ العام 1967، بما فيها القدسُ الشرقية" وليس جيشها فقط، ما يعني أن الرئيس ابو مازن قد وضع المجتمع الدولي والشرعية الدولية أمام خيار الانتصار لقراراتها، والوفاء بتعهداتها وضماناتها والضغط على منظومة الاحتلال "اسرائيل" لتنفيذ الاتفاقيات مع الجانب الفلسطيني، التي ما كانت لتتم لولا رعاية وضمانات الدول الكبرى، والرباعية الدولية، أو انهيار صرح الأمل بالسلام الذي ابتدأ برسائل تبادل الاعتراف بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة اسرائيل، ما يعني أن الرئيس قد منح المجتمع الدولي الفرصة الأخيرة للإجابة على تساؤله عن معاني اعتراف طرفي صراع ببعضهما، مادام الطرف الأقوى وهو في هذه الحالة منظومة الاحتلال (اسرائيل) التي مازال جيشها يحتل الارض بالقوة العسكرية، ويرتكب جرائم الحرب، وينتهك القانون الدولي، وتُطبِق حكومتها عبر قوانين عنصرية وسياسة الأبارتهايد على أنفاس الشعب الفلسطيني، وفوق كل ذلك ترفض الاقرار والاعتراف بقرارات الشرعية الدولية والتعامل معها و"تواصل مشروعَها التوسعيَّ الاستعماري، وتدميرَ فُرصِ الحلِ السياسيِ على أساسِ حلِ الدولتين". 
كان بإمكان الرئيس ابو مازن الاستعاضة عن التساؤل وطرح الموقف الفلسطيني بلغة صريحة، لكننا نعتقد أنه آثر سؤال القوى والدول الكبرى التي لم تعترف بفلسطين بعد، وهي المسؤولة عن تحقيق اهداف ومسارات الاستقرار والسلام في العالم تحت عنوان الشرعية الدولية، عن مصير فلسفة ومبادئ ومعاني وأبعاد واستحقاقات الاعتراف المتبادل في القانون الدولي كما صاغتها الشرعية الدولية ذاتها، والاجراءات الواجب اتخاذها حال تنصل منظومة الاحتلال (اسرائيل) من تنفيذها بعد منحها هذه الدول المسؤولة عن تطبيق قرارات الشرعية وعودا مكتوبة لتنفيذ الاتفاقيات مع الجانب الفلسطيني، فالرئيس أبو مازن لا يحمل اسرائيل وحدها المسؤولية عن انهيار جسر الاعتراف وما سيلي ذلك من تداعيات وحسب، بل يحمل الولايات المتحدة ودُوَلا عظمى في اوروبا تعترف بإسرائيل ولم تعترف بعد بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية حسب القرار الأممي 1967، لأن منظومة الاحتلال تستند على ازدواجية سياسة الاعتراف التي تتبعها دول كبرى لترفض الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة لذلك وبعد أن حدد الرئيس السقف الزمني لانسحاب سلطة الاحتلال بعام واحد قال: "وفي حالِ عدمِ تحقيق ذلِك، فلماذا يبقى الاعترافُ بإسرائيل قائماً على أساسِ حدودِ العامِ 1967؟ لماذا يبقى هذا الاعتراف؟". 
عندما ابرز الرئيس شهادة ملكية عائلته في ارض فلسطين باعتبارها نموذجا لملايين الشهادات يملكها ملايين الفلسطينيين، وعندما شدد على جرائم ابادة قرى فلسطينية عن وجه الأرض وذكر اسماء بعضها، وعندما ابتدأ خطابه بقضية اللاجئين، فإنه قد ثبت مبدأ الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني في أرض وطنه فلسطين وأن قبول الشعب الفلسطيني بحل الدولتين، لم يكن تنازلا عن الحق التاريخي والطبيعي وإنما سياسة واقعية عقلانية تفضي الى سلام واستقرار وتوقف نزيف الدماء، لكن الواقعية والعقلانية الفلسطينية ليست مجردة، وإنما معززة بإيمان وإرادة وقدرات قادرة على تغيير الوقائع على الأرض فالشعب الفلسطيني مازال متمسكا بشرعية ومشروعية وقانونية وسائل كفاحه ونضاله لنيل الحرية والاستقلال كما نصت عليها القوانين الدولية، وسيثبت أن عجز الكبار المسؤولين عن انفاذ القانون الدولي لا يعني أن الشعب الفلسطيني عاجز عن تحقيق اهدافه الوطنية، وإنما هي استجابة لنداء العالم الذي عليه تحمل تداعيات فشله الاخلاقي والسياسي والقانوني والدبلوماسي في الوفاء بتعهداته وعلى العالم أن يتذكر أن منظمة التحرير الفلسطينية منظمة قد استجابت وفي جعبتها السياسية مشروع الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي يعيش فيها الجميع بحقوق متساوية، وأن ارادة الشعوب قادرة على تجاوز المستحيل، وللجميع من نفحات الثامن عشر من ايار الماضي عبرة. 
وللقراءة في خطاب الرئيس بقية. 

 

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024