الرئيسة/  مقالات وتحليلات

نحن واليهود ضحيتها.. نهاية الصهيونية أصبحت قدرا

نشر بتاريخ: 2021-07-04 الساعة: 13:17


موفق مطر

كتب الدكتور محمود عباس رئيس دولة فلسطين في خاتمة كتابه "الصهيونية بداية ونهاية": كانت الصهيونية  بالنسبة لنا أمراً مجهولا وقضية غامضة ووحشا أسطوريا وإمبراطورا متربعا على عرش العالم". وكتب أيضا: "كانت وهماً كبر في أذهاننا مع الأيام وخرافة شاركنا في صنعها فصدقناها،  وأكذوبة تطورت مع الأجيال حتى باتت حقيقة في عقول الأجيال". 

وكتب قبل فقرتين من فقرات الخاتمة: "الصهيونية هذا الطفل اللقيط  ألصقوه بأب بريء عنه فتبرأ منه، وهذا النبي الذي كفر بنبوته أتباعه فهجروه، نادى أهل التوراة والتلمود فتخلوا عنه  وخذلوله وقالوا هذا انحراف مقصود فليس ما تنادي به أقوال موسى وداوود، نحن لسنا كما تدعي ولا نريد أن نكون كما تدعي، تعاليمنا توراتنا وصايانا ليس فيها مما تقول ونحن لن نكون كبش فداء للآخرين، وضحية تسفك دماؤها على مذبح مطامعهم ومصالحهم، لن نكون جسرا يعبر علينا من يريد أن يعبر، كوروش أرادنا دريئة فرفضنا، ونابليون أرادنا سدا فأبينا وغيرهم وغيرهم كثير". 

يمكننا القول بكل ثقة إن مؤتمر (الرواية الصهيونية ما بين النقض والتفكيك)– المؤتمر العلمي المحكم الأول– الذي أعدته مفوضية المنظمات الأهلية وغير الحكومية في حركة فتح وجامعة القدس المفتوحة  نهاية الأسبوع الماضي على مدى يومين قد خلصت الـ19 بحثا التي قدمها اثنان وثلاثون باحثا إلى الالتقاء مع جوهر خاتمة كتاب الرئيس محمود عباس (الصهيونية بداية ونهاية)، علما أن أطروحته التي أثبت فيها العلاقة بين قادة النازية وقادة الحركة الصهيونية نال بها شهادة الدكتوراة قبل حوالي أربعين عاما من الجامعة الروسية لصداقة الشعوب في موسكو، معهد الدراسات الشرقية في العلوم السياسية طبعتها دار ابن رشد عام 1984م في كتاب حمل عنوان (الوجه الآخر- العلاقات السرية بين النازية والصهيونية). 

اهتمام الرئيس وتركيزه الشديد على تشريح المنظومة الصهيونية ونقضها وفق أبحاث علمية دقيقة مجردة من الانفعالات والمواقف السياسية بالتوازي مع تقديم الرواية الفلسطينية بمساراتها الثقافية الحضارية بما فيها التاريخية والروحية والأدبية والفنية، ومكونات الشخصية والهوية الوطنية- عاملان لابد من توفير شروط إقناع دوائر الرأي العام بهما إن أردنا فعلا إلحاق الهزيمة بالصهيونية وكشفها على حقيقتها كخرافة. ويلتقي هذا مع الهدف العام للمؤتمر وهو مواجهة الرواية الصهيونية المزعومة بالتأسيس العلمي لعملية استنهاض الوعي وطنيا وعربيا. فيما تم تحديد الأهداف الفرعية ومنها: "فصل النصوص  التوراتية عن الرواية الاستعمارية الصهيونية وبيان التناقض بينهما". 

قدمت الأبحاث وفق خمسة محاور الأول: نقض الفكر الصهيوني بما يسمى الشعب اليهودي (القراءة الصهيونية للنصوص الدينية) وخصوصاً مقولة (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض). الثاني: نقض الرواية الصهيونية وتفنيدها فيما يتعلق باحتلال أرض فلسطين التاريخية وإقامة المملكة السياسية والهيكل المزعومين. الثالث: نقض وتفنيد أسطورة خراب الهيكل الأول والثاني مع المحافظة على نقاء العِرق. الرّابع: نقض وتفنيد أسطورة "أرض الميعاد من الفرات إلى النيل"، وتشكيل الصهيونية الاستعمارية. والمحور الخامس: الصهيونية المعاصرة وعلاقتها بالدول العظمى ومخططاتها المستقبلية. 

ما سمعناه وقرأناه وما أمكننا الاطلاع عليه حتى الآن من وثائق المؤتمر، وكذلك المسؤولية التي تحلى بها الباحثون والمناقشون والمداخلون وكذلك التنظيم يتيح لنا اعتبار المؤتمر نقلة نوعية في العمل على رفع مكانة البحث العلمي في ميادين النضال السياسي الدبلوماسي، والأهم في تكوين الوعي الفردي والجمعي، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار ما كتبه الرئيس في خاتمة كتابه حول الخرافة الصهيونية التي باتت حقيقة شاركنا في صنعها. 

لعلنا نشهد في القريب العاجل تجسيد توصيات مهمة للمؤتمر اقترحت بحضور وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور محمود ابو مويس وهي: عقد مؤتمر لعمداء الجامعات الفلسطينية لمناقشة وتجسيد فكرة إنشاء (مساق إجباري) موحد حول الرواية الصهيونية يدرس وفق منهج التعلم، وإنشاء مركز بحثي خاص- بالرواية الفلسطينية واستخدام تكنولوجيا الاتصال والتواصل الحديثة في تقديمها، وبالتوازي استثمار مخرجات الدراسات العليا- الماجستير والدكتوراة، ونشرها مع أبحاث المؤتمر بعد ترجمتها في المؤتمرات الدولية، مع استثمار البرامج المبينة للوجه الحضاري للشعب الفلسطيني كالفنون والرياضة وكل مجالات الإبداع الإنساني المعرفي والعلمي. ونزيد على هذه الاقتراحات ضرورة توفير الفرصة  للباحت الفلسطيني للمشاركة في المؤتمرات  السياسية إلى جانب السياسي لتمكينه من اختراق المنصات الدولية عبر تفكيك الخرافة الصهيونية، وتقديم الهوية الفلسطينية الحضارية عبر التاريخ والحاضر، وموازاة النضال التحرري بمسار علمي بحثي ثقافي، واختراق جبهة المجتمعات اليهودية المضللة بالخرافة الصهيونية ما يستدعي إنشاء مراكز إستراتيجية لترجمة اللغة العبرية بالاتجاهين. 

شتان ما بين الرواية الحقيقية الفلسطينية والخرافة الصهيونية، فهذه الأرض لا تتسع إلا لحقيقة واحدة. فالدكتور الرئيس أبو مازن ختم كتابه بالتالي: "بدأت الصهيونية غريبة. كانت تبدو لنا قدرا فأصبحت نهايتها قدرا، اليهود ضحيتها ونحن أيضا ضحيتها، ونحن واليهود سنتكفل بالقضاء عليها، لنعيش كما عشنا قبلها في وطن رحب واسع مليء بالخيرات تكفي وتظلل الجميع بالخير والمحبة والمساواة". 

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024