الرئيسة/  مقالات وتحليلات

«في المسألة قولان».. وأقاويل!

نشر بتاريخ: 2021-05-20 الساعة: 12:45


بقلم حسن البطل

عديدون، وأنا منهم، قرؤوا مؤلف يزيد الصايغ، الضخم والدسم: «الكفاح المسلّح والبحث عن الدولة»، تُرى كم واحدا قرأ تعقيب زئيف شيف المحرّر العسكري الراحل لصحيفة «هآرتس» عليه: قد يبدو غريباً أن أخالف خلاصة الفشل ليزيد الصايغ، لأن خروج عرفات من بيروت، وعودته إلى رام الله نقلة استراتيجية كبيرة.
نشر يزيد الصايغ مؤلفه في السنوات الأولى للحقبة الأوسلوية، لكن الكفاح المسلح الذي انطلق في اليوم الأول من العام 1965 كان يتطلع كطليعة إلى التحرير القومي، ثم بعد هزيمة الجيوش والأنظمة العام 1967، وخاصة بعد فشل حرب المبادرة العربية الأولى 1973 «لإزالة آثار العدوان» تطلع إلى إقامة السلطة الوطنية، حرباً أو سلماً فقط بعد خروج بيروت، والانتفاضة الأولى، تطلع المشروع الفلسطيني إلى الدولة الوطنية المستقلة (إعلان استقلال دولة فلسطين 1988 في الجزائر).
نقطة التحول كانت في معركة الكرامة، بعد ثلاث سنوات من «العمل الفدائي» السرّي، وعام واحد بعد الهزيمة القومية 1967، حيث توقف الجدل: هل يبقى العمل الفدائي سرّياً، أو يغدو ثورة مسلحة علنية وشعبية.
بعد الهزيمة الحزيرانية، استقال الرئيس المؤسس لمنظمة التحرير، أحمد الشقيري، من منظمة مشروع التحرير القومي، وسيطر عليها قادة الفصائل الفدائية، ولكن بعد مرحلة انتقالية تولى فيها قيادة المنظمة يحيى حمّودة.
اختلفت الفصائل الفدائية حول برنامج السلطة الوطنية، وربما لولا قصور حرب العام 1973 عن «إزالة آثار العدوان» عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما كان أول خلاف فصائلي، ولولا خروج عمّان، ثم خروج بيروت، وخروج طرابلس ـ لبنان، والانتفاضة الأولى، ما صدر إعلان استقلال دولة فلسطين.
حسناً، بعد نكسة الانتفاضة الثانية بالذات، وربما قبلها بقليل، بدأ جدال فلسطيني حول جدوى السلطة الفلسطينية، ومطالبات بحلها كذراع لمنظمة التحرير، ونشرت روايات وشهادات في ذمّ السلطة، والسخرية من مدينة رام الله، كعاصمة إدارية، وبدأ سجال حول «حل الدولتين» أو «الدولة الواحدة».
نكسة الانتفاضة الثانية، تلتها نكسة الانقسام، ثم انتكاسة «الربيع العربي» إلى احتراب وحروب عربية، وترنّحت شعوب «بلاد الربيع» ولا تزال بين استبداد النظم الحاكمة، وبين صعوبة الانتفال إلى الديمقراطية.. وقد نرى في تأجيل الانتخابات التشريعية الثالثة انتكاسة للديمقراطية الفلسطينية.
مكانة القدس في «صفقة ترامب»، و»التطبيع العربي» مع تحولات إسرائيل نحو التطرف السياسي والأيديولوجي والديني، دفعت إلى اندلاع شرارة ثالثة في القدس الشرقية. من السهل إشعال القدس، ومن الصعب إطفاء حريقها، الذي تسبب في حرب ثالثة أو رابعة على غزة، وهذه المرة بمبادرة فلسطينية من غزة، امتدت إلى سائر التجمعات الفلسطينية على جانبي «الخط الأخضر»، وفي الشتات العربي والعالمي الفلسطيني.
في تاريخ الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، سيتم اعتبار شهر أيار علامة قد تكون فاصلة، فقد كان الإضراب العام يذكّر بإضراب العام 1936، وشهدت عاصمة السلطة الإدارية أكبر مسيرة شعبية في تاريخها يوم «الثلاثاء العظيم» في 18 أيار.
لا أعرف من قال: اعط العربي رائحة الانتصار، ثم حاول أن توقفه؟. هل هو لورانس الجزيرة العربية؟ أم جنرال بريطاني زمن الانتداب على فلسطين، ففي أيار النكبوي أخذت العزة بالفخر، لا بالإثم، بعض الفلسطينيين إلى مشارف أحلام طوباوية، وبعضهم الآخر إلى مطالب نفض القيادة السلطوية برمّتها مثل: ماذا لو توجهت عشرات الألوف في مسيرة يوم الثلاثاء الكبير إلى المقاطعة، لكنها توجهت إلى خطوط التماس مع جيش الاحتلال في رام الله ونابلس والخليل والمدن والقرى الأخرى.
من نقد الكفاح المسلح، إلى نقد الانتفاضة الأولى، ثم نقد الانتفاضة الثانية، ومن نقد أوسلو إلى نقد منظمة التحرير، مثل عبارة كتبها على «الفيسبوك» واحد يقول: «المنظمة إن لم تتسع بنا سنضيق بها»؟
قديماً، قال المناطقة في السجال والجدال: «في المسألة قولان» وهذا صحيح، لكن في تاريخ النضال الفلسطيني أكثر من قولين.. والكثير من الأقاويل!
بعد خروج بيروت، وضع مركز التخطيط الفلسطيني ورقة عمل تشمل خطة استراتيجية طوباوية لمنظمة تحرير جديدة، ولما عُرضت على عرفات وبدت غير واقعية قال لواضعيها: «انقعوها واشربوا ماءها».
استخفت غولدا مائير ببوادر مبادرة هجومية عربية في العام 1973، ولما اندلعت «حرب العبور» طاش صواب الجيش الإسرائيلي، وقال رئيس أركانه دافيد بن اليعازر: «سنحطم عظامكم.. سنريكم نجوم الظهر»؟
الآن، تريد إسرائيل أن تحطم عظام غزة، لأنها من بدأ في إطلاق الصواريخ، وتؤجل إدارة بايدن إنهاء الحرب ريثما تنتهي ويد إسرائيل هي العليا، لكن البعض الفلسطيني يريد أن تتحطم السلطة الفلسطينية؟
كان الكفاح المسلح الفلسطيني مثل بندقية على كتف عربي رخو، وصارت السلطة الفلسطينية مثل صخرة على صدر إسرائيل.

حسن البطل

mat

التعليقات

Developed by MONGID | Software House الحقوق محفوظة مفوضية الإعلام والثقافة © 2024